«سأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية، فقال: خلّلها (إدخال الماء بين الشعر)، قال: الرجل أتخوّف أن لا نبلّها، فقال الشعبي: إن تخوّفت فانقعها من أول الليل!» للإمام الشعبي التابعي الجليل الذي اشتهر بالعلم والفقه وتولى القضاء طرائف كثيرة، وفي هذا أكثر من رسالة، الأولى: ألا تعارض بين الحرص على الالتزام بالأوامر الشرعية والظرافة، بل إن هذا الدين العظيم الذي ما ترك خيراً إلا ودلنا عليه ولا شراً إلا وحذرنا منه يحثّ على إدخال السرور على قلب كل مسلم، والتعامل مع هذه الحياة على أنها ساعة وساعة، والثانية: أن تاريخنا يحوي كل ما يريده الباحث والكاتب والمدرب وكل صاحب تأثير، ولذلك يجب أن نحرص على ألا نستبدل غيره به، وما أُتينا إلا من جهلنا بهذا التاريخ، وتميز غيرنا في تقديم ما لديهم حتى ولو كان أقل مما لدينا! في طرفة الشعبي توجيه بالحرص على الذكاء في طرح الأسئلة، وهو أمر لا يتقنه الكثير من السائلين وبالتالي يقعون في مشاكل أكبر من بحثهم عن الإجابة على السؤال. السائل عن الأحكام الشرعية يحتاج إلى فن السؤال حتى يعرف الحكم الشرعي الصحيح ويقي نفسه من الوسوسة والتنطع. والطالب أو الطالبة يحتاج إلى فن السؤال حتى يأخذ الإجابة التي تعينه في تكوين فكره وعلمه ويسلم من العواقب. وطالب الوظيفة والمفاوض وكل شخص باحث عن النجاح يحتاج إلى إتقان فن السؤال، الذي يمكن اختصاره بالهدف واللباقة والوضوح والمباشرة. وذلك بأن يكون للسؤال هدف، إما بحثا عن معلومة أو حل مشكلة، لا استعراض قدرات أو السعي لإحراج الشخص المقابل، وما أكثر ما يكون هذا في عالمنا اليوم! واللباقة بأن يعكس السؤال تربية السائل فتكون كلماته جميلة وغير مستفزة! والوضوح بأن تكون عبارات السؤال واضحة من غير غموض! والمباشرة بأن يبتعد عن إطالة السؤال وتشتيت الموضوع، فيقع فيما وقعت فيه بنو إسرائيل مع بقرتهم، بدأ الأمر بذبح أي بقرة وانتهى بضرورة أن تكون البقرة وسطاً بين الفارض والبكر، وأن تكون صفراء فاقعا لونها، وألا تكون ذلولا تثير الأرض ولا تسقي الحرث. والسبب التنطع وكثرة السؤال مع عدم إتقانه.