يبدو أن انتشار برامج الإفتاء الدينية على القنوات الفضائية فتح الباب واسعاً أمام مرضى"الوسواس القهري"بدرجاته المختلفة، فهؤلاء يطرحون أسئلة تُغضب أحياناً رجال الدين، ل"تفاهتها"، وبعضها يشي بأن ثمّة من ضيّق على نفسه، معتقداً خطأً أن الدين يأمره بذلك. ومن خلال متابعة هذه البرامج، يمكن ملاحظة مدى تفشي"الوسوسة"بين شرائح واسعة من العرب. ويحذر رجال دين الناس من الانجرار خلف الوسوسة"التي تعقّد الدين"، لذا يوجهون مثلاً بمن يشك في أنه لم يؤدِّ ركعات الصلاة كاملة، بتجاهل شكوكه. وفي شهر رمضان ارتفع عدد برامج الإفتاء، وتالياً الأسئلة"التافهة"، التي لا يجد بعض"وعّاظ الفضائيات"، حرجاً في الإجابة عليها. ومن الأمثلة على ذلك: متصِلة سألت شيخاً في أحد البرامج عن حكم قص الشعر يوم الجمعة، وأخرى استفسرت عن فتوى جلوس المرأة أمام الإنترنت من دون محرم، بينما سأل شاب عن حكم الغش في اختبار مادة الإنكليزي كونها"أجنبية"، وآخر عن حكم ارتداء قميص"التي - شيرت"والقبعة. إلا أن بعض الأسئلة تجاوزت المعقول والأساسيات التي يعرفها كل مسلم، لتثير بدورها التساؤل لدى القائمين على البرامج والمشاهدين، عن مستوى ثقافة بعضهم، وإذا كانت رغبتهم في معرفة الحكم بكل صغيرة وكبيرة، حرصاً أم جهلاً. ومن النوادر التي تتداولها مواقع الإنترنت، استفسار رجل عن حكم غسل اللحية أثناء الوضوء؟ ليجيبه الشيخ ممازحاً، بعدما زاد إلحاح السائل وحرصه على وصول الماء إليها:"انقعها قبل بليلة!". أم عبدالرحمن، وهي من المتابعات المواظبات لبرامج الإفتاء، تقول:"أغرب ما سمعت في هذه البرامج هو اتصال سيدة من إحدى الدول العربية، لتستفسر عن خروفها الذي اشترته ووضعته في حديقة المنزل، وأكل من طريق الخطأ صحيفة أجنبية. وسألت الشيخ إذا كان في إمكانها ذبح الخروف وأكل لحمه؟". ويرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور إبراهيم الجوير أن ظاهرة الهوس والاستفسار عن كل صغيرة وكبيرة، تعبّر عن حاجة الناس إلى المعرفة،"وقد أصبحت ميسرة لهم من طريق وسائل الاتصال المختلفة كالهاتف، رسائل الجوال، الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال الكثيرة لإيصال المعلومة أو الفتوى إلى السائل. وفي شكل عام، تدل كثرة هذه الأمور أو تكرارها على حاجة الناس إليها". ويقترح الجوير أن تُجمع الاستشارات أو الاستفسارات وأن تُطبع طباعة جيدة، وتوثق أو توضع على شكل شريط أسفل الشاشة ليستفيد منها الناس، أو أن توضع الفتاوى على الهاتف من طريق الاتصال برقم مخصص، يجيب أوتوماتيكياً على المتصلين". وعن المشكلات التي تسببها بعض الفتاوى، يقول الجوير:"لا بد من الاتجاه إلى تأسيس أو مأسسة الفتوى حتى لا يُترك المجال للأفراد لإصدار الفتاوى، إنما يتبعون مؤسسة علمية. ويقوم على الإفتاء مجموعة أفراد، من تخصصات مختلفة تحتاج إلى عمق في البحث ودراية، مثل الشريعة، الاقتصاد، السياسة وغير ذلك، فيتبادلون الآراء والأفكار، ويخرجون بردود سليمة، صحيحة ودقيقة حول المواضيع".