منذ أن تم إطلاق برنامج الابتعاث الخارجي قبل أكثر من 12 عاما والخريجون السعوديون تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم لتصل حتى وقتنا الحالي إلى عشرات الآلاف من الطلبة والطالبات من جميع التخصصات، وأتذكر أن أعدادهم وصلت في وقت ذروة الابتعاث إلى 200 ألف، مما أهل المملكة لأن تصبح الدولة الأولى عالميا في الابتعاث مقارنة بعدد السكان، وهذا شيء جيد ويحسب للمملكة التي رغبت الاستثمار في العنصر البشري الوطني من خلال إطلاق هذا البرنامج الذي أهل طلابنا للدراسة في أرقى الجامعات العالمية وأفضل الدول تقدما علميا وتقنيا. ومن المؤكد أن الدول التي انطلقت في مجال التصنيع وتولت زمام المبادرة عالميا في وقتنا الحاضر مثل اليابان وكوريا والصين انتهجت هذا الأسلوب من خلال ابتعاث الآلاف من طلبتها وطالباتها إلى الدول المتقدمة للدراسة في مختلف العلوم، وكانت النتيجة ثورة صناعية لديهم اكتسحت العالم، ونحن ننتظر بشغف أن تعتلي المملكة دول المنطقة صناعيا وتقنيا، وبخاصة إذا كانت العقول المدربة لديك جاهزة وتنتظر إعطاءها الفرصة المناسبة. لو أخذنا مجال الجامعات السعودية الحكومية (وبالذات التي تم إنشاؤها حديثا) ومن ثم الخاصة نجد أن هناك بطالة كبيرة تستخدمها الجامعات بحقهم، حيث لا يتم تعيينهم في تلك الجامعات ولا النظر في مؤهلاتهم مطلقا، وفي المقابل نجد أن هذه الجامعات تستقدم أعضاء هيئة تدريس أقل كفاءة وخريجي جامعات عربية لا تقارن بالمستوى العلمي ولا الأكاديمي بتلك التي تخرج منها مبتعثونا، مما عزز البطالة لدى مبتعثينا من الجنسين في هذه المؤسسات الأكاديمية التي يفترض بها أن تكون السباقة لاستقطابهم وتعيينهم، وتصل نسب الوافدين في بعض الجامعات إلى 40%، ولست ضد استقطاب الوافد المؤهل الذي يفيد البلد، ولكن إذا كان المواطن أفضل تأهيلا ورغم ذلك يتم استبعاده فهذه كارثة. مع إطلاق رؤية المملكة 2030 ظهرت الكثير من المشاريع المهمة مثل نيوم والبحر الاحمر والقدية وغيرها، وأتمنى من القائمين عليها الاهتمام بهذه الشريحة التي قضت سنوات في الغربة للدراسة والاطلاع والتحصيل العلمي واجتذابهم للعمل في تلك المواقع المميزة لنقلص من طابور البطالة أولا ولإكساب أبنائنا وبناتنا الخبرة الكافية من خلال عملهم في هذه المشاريع العالمية. يحمل أغلب هؤلاء المبتعثين الكثير من الخبرات والتجارب التي اكتسبوها من خلال دراستهم في الخارج سنوات طويلة ويرغب البعض منهم تطبيقها داخل المملكة على شكل مشاريع خاصة صغيرة ربما تكون مستقبلا نواة لمصانع تنتج وتصدر للخارج ولكن ليست لديهم القدرة المادية على ذلك، وأتذكر أن أحد المبتعثين كانت لديه فكرة عمل مشروع عن الطاقة الشمسية من خلال بطاريات تعمل بطريقة معينة تخدم المنزل وتستغني عن الكهرباء الرسمية التي تأتي من الشركة بنسبة 60% ولكن لا يمتلك الإمكانات المادية التي تساعده على ذلك وغيره الكثير من المبتعثين الذين لديهم أفكار ما زالت طور الأحلام، أتمنى من الجهات المعنية أن تدعم هؤلاء وتساعدهم على تحقيق مشاريعهم التي تخدم البلد في نهاية المطاف. أتمنى من الجهات المعنية بموضوع الابتعاث أن تركز على التخصصات التي تخدم الوطن في خططه المستقبلية وأن تتجاهل ما عدا ذلك وبالذات التخصصات النظرية التي لا فائدة منها.