عندما انطلق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي قبل ما يقارب الأعوام العشرة، كان التركيز على التخصصات التي يتطلبها سوق العمل، وتحتاجها خطط التنمية، إضافة إلى قصر الابتعاث على الدول المتقدمة. وفعلا حقق أبناؤنا خلال مراحلهم الدراسية (البكالوريوس والماجستير والدكتوراة) أفضل النتائج وأثبتوا للعالم أجمع ما يتمتع به الشاب والشابة السعودية من قدرات ومستوى تعليمي عال، لدرجة أن بعض الجامعات في تلك الدول حاولت استقطابهم كأعضاء هيئة تدريس لديها. الغريب في الأمر، بعد هذه الرحلة التعليمية الطويلة، وعودة أبنائنا للوطن وما صاحب ذلك من توسع في إنشاء الجامعات الحكومية والأهلية خلاف الكليات (حوالي 40 جامعة)، والذي تطلب معه توفير الآلاف من أعضاء هيئة التدريس للعمل في هذه الجامعات، اعتقد الكثير -وأنا أحدهم- أن الطبيعي استقطاب هؤلاء المبتعثين بسبب توفر شروط التعيين بهم إضافة إلى أنهم أبناء الوطن وهم أولى بغض النظر عن أفضليتهم أساسا؛ نظرا لتأهيلهم العالي وما يتبع ذلك من مزايا تعود على البلد بالفائدة الكبيرة، مثل: القضاء على البطالة وغيرها. ولكن يبدو أن جامعاتنا الحكومية والأهلية لها وجهة نظر مختلفة! حيث لا ترى في هؤلاء المبتعثين السعوديين أي مزايا تستدعي تعيينهم؛ مما جعلهم ينطلقون في أرجاء المعمورة؛ بحثا عن أعضاء هيئة تدريس في دول أقل مستوى تعليمي من تلك التي تخرج منها أبناؤنا، حتى وصلت النسبة في بعض الجامعات الحكومية إلى أكثر من خمسين بالمائة من كادرها أجانب، والجامعات الأهلية تصل النسبة إلى ثمانين بالمائة وأكثر. وأتذكر في إحدى جولاتي السابقة لبعض الجامعات الحكومية، التي تم انشاؤها حديثا في بعض مناطق المملكة، شاهدت بعض أعضاء هيئة التدريس من إحدى الدول العربية الذين تم استقطابهم وهم من صغار السن الذين لا يمتلكون الخبرة وبرغم ذلك تم تعيينهم وترك أبنائنا المؤهلين؟ وأنا لا أطالب باستبعادهم ولكن أن يتم الاقتصار على المؤهلين المتميزين الذين يدفعون البلد إلى الأمام ويساهمون في نهضتها في أي مجال أو تخصص. وما ينطبق على الجامعات ينطبق أيضا على القطاع الخاص، حيث لا يجد المبتعثون فرصاً للعمل هناك برغم تأهيلهم العالي. يروي لي بعض خريجي بريطانيا من حملة الدكتوراة في تخصص الحاسب أنه قدم أوراقه للعمل في أحد البنوك المملوكة بشكل كبير للدولة، وبعد تحديد موعد المقابلة ذهب ليتفاجأ أن من يجري معه المقابلة وافد من إحدى الدول العربية، يحمل مؤهلا أقل منه، وكانت النتيجة الطبيعية رفضه. يجب أن يعي مسئولو هذه الجامعات والقطاع الخاص أن البلد تمر بظروف صعبة، تستدعي وقفة جادة وتكاتف الجميع والعمل بإخلاص؛ لنهضة البلد ورقيها ومنفعة أبنائها، فهم أولى بخيرها.