«قيل لحكيم: أي الأشياء خير للمرء؟ قال: عقل يعيش به، قيل: فإن لم يكن؟ قال: فإخوان يسترون عليه، قيل: فإن لم يكن؟ قال: فمالٌ يتحبب به إلى الناس، قيل: فإن لم يكن؟ قال: فأدبٌ يتحلى به، قيل: فإن لم يكن؟ قال: فصمتٌ يسلم به، قيل: فإن لم يكن؟ قال: فموت يريح منه العباد والبلاد». اليوم ابتلينا بأشخاص مؤذين في بيوتهم، في عملهم، لكل من يقع في طريقهم، فلا بد أن يخرج من يتواصل معهم بأذى حسي أو معنوي أو بكليهما، والمشكلة عند ما يبرر هذا الأذى ويُلبسه لبوساً غير لبوسه، على شاكلة «أنا صريح!»، «ما في قلبي على لساني!»! مثل هؤلاء تستغرب صبر الآخرين عليهم، ما الذي يدفعهم لذلك؟! تقول: لعله العقل! فقد يكون لدى هذا المؤذي عقلٌ ينفع به الآخرين فيصبّرهم على أذاه، سواء بكونه صاحب رأي أو علم وعطاء، الرأي أو المشورة أو بالعلم والعطاء، ولكن عند ما تتأمل لا تجد لدى هذا المؤذي العقل الذي يحميه ويحمي منه، وإلا كيف تجرأ الأذى، فأهل العقول السليمة أعظم الناس تواضعاً! إذن لعله حظي بأقارب وأصدقاء يسترون عليه ويحفظون حق القرابة، ولكن عندما تنظر في حاله تجد هو من تسبب في هروب الآخرين بلسانه وأفعاله! قد يكون: المال! فكل عيب يغطيه السخاء، ولكن هذا لا يمكن أن تراه في موقف عطاء، وإن أعطى فلا يمكن أن يعطي بدون كاميرات ومدّاحين مع حملة منّة لا يمكن أن تتوقف! قد يكون الأدب، فالرجل راقٍ في تعامله، وقد يكون الصمت، ولكن لا يمكن أن يجتمع الأدب مع قلة الأدب، ولو كان صامتاً لما آذى! بل هو متطوع للإيذاء باسم النصح وإبداء الرأي والمشورة! مثل هؤلاء الأشخاص المؤذين في البيوت بتفريق العائلات المجتمعة وتشتيت شملها، والمخربين لبيئات العمل بالحقد والحسد، والملوثين للحياة بالكلمات والظنون السيئة، يجب أن يُسعى في علاجهم بالمصارحة وسعي العقلاء والكبار في تحجيم أضرارهم، لأن في وجودهم تدميراً لأنفس بريئة، وقتلاً لطموحات جميلة! فإن لم يكن، فلا بد من انتظار وصفة الحكيم!