لا يوجد إنسان ليس له سرّ يريد التحفظ عليه وعدم الإطلاع عليه، حتى الأطفال لهم أسرارهم، وكل يريد المحافظة على سره مهما كان. والأسرار التي تكون بين الناس، سواء كانوا أفراداً، أو جماعات ما هي الا عهود ومواثيق، أخذ الله على الناس المواثيق بالوفاء بها، وادائها على وجهها يقول سبحانه: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً (الإسراء 3). والسرّ أو العهد، عندما يفضي به واحد لآخر، سواء كان سراً أسرياً، أو سراً يتعلّق بالعمل وأمن الدولة، أو سراً من أسرار المجتمعات مهما كان نوعه وغايته,. فإن هذا السرّ يعتبر أمانة من الامانات التي يجب المحافظة عليها، وعهداً يسأل عنه أمام الله سبحانه يوم القيامة وماذا عمل فيه، هل أذاع هذا السرّ الذي عُهد إليه المحافظة عليه, واؤتمن على عدم اشاعته، حتى ينتهي السبب الذي استحفظ من أجله، على هذا الأمر، أم حافظ عليه وصانه، ولم يكن غربالاً كما قال الحطيئة. يقول أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي: الملوك تحتمل كل شيء من أصحابهم، الاّ ثلاثاً: إفشاء السر، والتعرّض للحُرم، والقدح في الملك، وكان يقول: سرّك من دمك، فانظر من تملكه. وإذا كان المال أمانة يحافظ عليها بكل ما يستطيعون، ويتعادون ويتصادقون من أجله، ويتوثقون بالكتابات والوعود والأيمان، ثم بالشهود، خوفاً من ضياع شيء منه، يمكن تعويضه أو الاصطلاح عليه، فإن الأسرار بين الناس، أغلى من ذلك وأمكن، لأن فيها خصوصيّات، وفيها معايب أو مصالح قد تفضي إشاعتها إلى نتائج ضارّة، وفيها خصوصيات للدول، تتعلّق بأمنها، وما يجب الاحتفاظ,. ولذا فإن الواجب اختبار الأشخاص في دينهم أولاً، لأن من حفظ دينه حفظ سرّه، ومن واظب على أداء شعائر دينه كاملاً، اهتم بحفظ ما أودع من أسرار، وما يقع تحت يده من أمور يجب عدم إذاعتها، حتى ولو لم يؤكد عليه المحافظة عليها، لأن العمل أمانة من الأمانات العظيمة، وما في العمل من مجريات هي عهود يجب المحافظة عليها. وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه، كان أمين سرّ النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الإنسان لا بدّ ان يكون له من يفضي ببعض أسراره، ليحمل عنه همها، وليعينه في تلافي آثارها، وتلمس المخارج الحسنة لهذه الأسرار، وقد يكون من الأسرار ما يثقل كاهل صاحبها، فيريد ان يخفّف العبء عن نفسه، فيختار الصدوق الأمين، ومن لديه الحكمة والرأي الحصيف، لتبليغه ببعض الأسرار,, ليكون شريكاً معه، ومحافظاً على هذا العهد، الذي رآه جديراً بحمله، يقول الشاعر: ولابد من شكوى الى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجّع فحذيفة علّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء المنافقين في المدينة، وكان من ضمن حراس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحماية الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، في مسيرته قافلاً من غزوة تبوك، وعرف الأشخاص الذين أرادوا المكيدة برسول الله صلى الله عليه وسلم في مضيق الجبل. ولمكانته فقد جاء اليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مسترشداً وسائلاً بالله، خوفاً من ان يكون من المنافقين، وهذا من ورع عمر رضي الله عنه، وعدم تزكيته لنفسه، فقال لحذيفة: سألتك بالله، هل عدّني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟, قال: لا ولن أزكي أحداً بعدك. وفي هذا الجواب نراه يسترشد بحديث عكاشة بن محصن، في الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم؟, فأجابه صلى الله عليه وسلم قائلاً: أنت منهم, فقام آخر بنفس الطلب، فردّ عليه الصلاة والسلام بقوله: (سبقك بها عكاشة). وفي هذا حفظ لسرّ يجب كتمانه، لأنه زكاه ولم يخبره بأحد من المنافقين، مخافة أن يسأل غيره، فيقع الإحراج في الجواب، فكان كلام حذيفة، من باب سدّ الذريعة، لإقفال الباب بأدب جمّ، وهذا من أدب النبوة الرفيع الذي أخذه الصحابة عن رسول الله صلى الله وسلم، لأنه رضي الله عنه أخذ هذا المقياس، وخشي ان يتكاثر عليه الناس، فيذيع سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استودعه إياه,, وهذا ما يجب ان يهتم به كل مسلم في السر الذي وقع أمامه، ويعاهد نفسه على المحافظة عليه، حتى ينتهي وقته أو يذيعه مصدره الذي كان يحافظ عليه,, استرشاداً بهذا الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين تأيّمت بنته حفصة، قال: لقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي الاّ أتزوج يومي هذا,, فلقيت أبابكر الصديق رضي الله عنه، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟، فصمت أبوبكر رضي الله عنه، فلم يرجع إليّ شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبوبكر فقال: لعلّك وجدتّ عليّ، حين عرضت عليّ حفصة، فلم أرجع إليك شيئاً؟, فقلت: نعم, قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك، فيما عرضت عليّ، الاّ أني كنت علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها، فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها. وهذه النماذج تعطينا أدب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرص على حفظ سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لو لم يقل لهم احفظوا هذا السرّ، لأن تعاليم الإسلام التي رسخت في قلوبهم، تدعو لذلك، وتقرع اسماعهم آيات في كتاب الله، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطبقوا ذلك عملاً، واهتموا به منهج حياة، تعلموه فنقلوه لمن بعدهم,, وليت كل مسلم يدرك ذلك ليكون فيه قدوة لغيره. فأبوبكر رضي الله عنه، حفظ سرّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى وقت الحفظ، بزواج الرسول الكريم من حفصة بنت عمر أم المؤمنين، رضي الله عنها وعن والدها. والحياة الزوجية، ما هي الاّ اسرار بين الزوجين وبخاصة ما يدور بينهما، تحفظها حيطان المنزل، وتحكمها أبواب المنزل، وعلى كل واحد من الزوجين ان يراعي عدم نشرها، وقد جاء التشريع الإسلامي في المصدر الثاني وهو السنّة المطهرة، زاجراً عن افضاء ذلك السرّ، سواء كان قولياً او فعلياً، أو صفات في أحد الزوجين تختلف عمّا هو معهود في الإنسان السويّ، مما يعتبر عيباً خِلقياً أو خُلقياً، ولم يجز الفقهاء رحمهم الله اشاعة شيء من ذلك للآخرين الا ما أوجب اظهاره: إخباراً أو تقريراً، لدى المحاكم الشرعية، حيث يأخذ القاضي ذلك قرينة شرعية في الحكم، إيجاباً أو سلباً. روى مسلم في صحيحه حديثاً عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله وسلم: (إن من أشرّ الناس عند الله يوم القيامة الرجل يفضي الى المرأة، وتفضي إليه، ثم ينشر سرّها). ويدخل في هذا من وقع في معصية، وستره الله برحمته، ولم يبرز للناس من هذا الأمر شيء، ثم قام هذا الفاعل، ليكشف ستر الله عنه، ويشيع الأمر المستور بستر الله، ويقول: فعلت في يوم كذا، وفي مكان كذا، كذا وكذا فيصبح وقد ستره الله بظلال من لطفه سبحانه، في بيته وفي عمله، ليكشف ستر نفسه، ويفضح من عيوبه، ما سترته عناية الله، فكان بعمله هذا مجاهراً بمعصيته، كاشفاً لسرّ ستره الله عن العيون حقبة من الزمن. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثّ أمته على الكتمان، بفعله وقوله، لما في الاشاعة لما يجب اسراره من مضارّ عديدة للناس على اختلاف منازلهم وأعمالهم في هذه الحياة، وعلى سلامة الدول وأمنها بصفة خاصة، حيث يتربص بها الأعداء، ويبثّون العيون لالتقاط بعض المعلومات المفيدة لهم، فكان الواجب ان يقفل المرء لسانه عن النطق، وعينه عن النظر، وأذنه عن السماع,, عن ذلك الأمر السرّي الخاص، فكأنه لم ير، ولم يسمع ولذا يجب ألا ينطق فيه بكلمة مهما كانت، حتى لا تفسّر بإفشاء السرّ. فعن فعله عليه الصلاة والسلام، فقد كان إذا اراد الذهاب لغزوة ورى بغيرها، حتى يبعد الخبر عن العدوّ. وعن قوله وأمره عليه الصلاة والسلام فقد روي عنه قوله: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإنّ كل ذي نعمة محسود). والخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، يعتبر من دهاة العرب، دخل عليه الشعبي يوماً فقال له: يا شعبيّ جنبني خصالاً أربعا: لا تطريني في وجهي، ولا تجربن عليّ كذبة، ولا تغتابنّ عندي أحداً، ولا تفشين لي سرّاً. فكان من الحكمة، ان الشيء الذي تكتمه عن عدوّك ألاّ تظهر عليه صديقك,, لأن السرّ ما دام بين جوانحك فهو ملكك، فإذا ظهر منك صار ملكا للآخرين,, كما يقال في الحكمة: الكلمة ما دامت في صدرك فأنت تملكها، فإذا أظهرها لسانك ملكتك. ومعلوم ان أغلى ما عند الإنسان المال، فإذا كان يخاف عليه اللصوص أخفاه، وأحكم خزانته بكل ما يستطيع، فكيف به يمكّن عدوه من نفسه بإفشاء سره اليه، واظهار ما في قلبه له، أو يظهر هذا العدوّ على أخيه او الدولة أو الأسرار المؤتمن عليها,, ولكن بعض الناس يضيق صدره ولا يتحمل ما فيه من سرّ، حتى لو كان سراً خاصاً في إفشائه مضرّة، يترقبها العدوّ والحاسد، ويشيعها الثرثار وصاحب الغيبة والنميمة. وكاتم السرّ كما يقال: له من كتمانه إحدى خصلتين، وفضيلتين: أما الخصلة الأولى الظفر بحاجته والثانية: السلامة من شرّ هذا السرّ، وأما الفضيلتان: فإن من أحسن فعليه أن يحمد الله، وله سبحانه المنّة عليه بحفظ هذا السرّ، ومن اساء فليستغفر الله عز وجلّ، وله سبحانه الحجة عليه. فأين من بعض المسلمين في هذا الزمان إدراك تلك المفاهيم التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبر غورها رجال الرعيل الأول من هذه الأمة، وطبقوها عملاً. لأن الواجب الاهتمام بمكانة السرّ، حيث نرى بعض الأمور بين الناس في مجتمعاتهم سرية، وفي الأعمال التي يحتاط فيها بكتابة سري، او شخصي خاص، فيؤكد على ذلك بأشياء كتابية وغير كتابية، حرصاً على مراعاة الأمانة في حفظ هذا السر، فإذا به يذاع ويتناقله الآخرون، بل اصحاب الأهواء وضعاف العقول، يضيفون على ذلك، ما يخدم اهواءهم، وما ذلك الا من ضعف الوازع الإيماني في القلب، واستخفاف بالعهد الذي اخذه الله على عباده ليفوا به، ويهتموا برعايته، لأنهم مسؤولون عنه، فهو أمانة,, والأمانة ليست بالمال فقط والعروض، ولكنها في كل شيء. والتساهل فيه وعدم رعاية حق هذا السرّ من ضياع الأمانة الذي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التهاون بها، واخبر: بأنها أول ما يفقد من الدّين بقوله الكريم: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون منه الصلاة). وإن من يتحدث بكل ما سمع ورأى، يعتبر في نظر الناس، غربالاً لا يمسك شيئاً، ولا يطمئن اليه احد في معرفة اي امر ذي بال، سواء كان سراً يؤكد عليه بعدم نشره، او لم يؤكد عليه، وإنما يلتقطه من الألسن حيث يحذره الناس، ويتكتمون عنه في الأمور الصغيرة قبل الكبيرة، مهما كانت منزلتها، وينطبق عليه القول المأثور: كفى بالمرء إثماً، أن يتحدث بكل ما سمع. ومثل هذا المذياع لكل أمر، الذي لاهم له إلاّ التنقل من مكان الى مكان، ليسمع ويذيع، لا يوثق بما يقول، ولا يرغب فيه في اي مجلس، بل يتكتم الناس عنه، في حديثهم ويتناذرون منه عندما يدخل مكاناً هم فيه، ليخفوا عنه ما يتحدثون فيه، ولو كان حديثهم لا سرّ فيه، ولا تحفُّظ فيما يتداولونه بينهم، لا لشيء الا انه عرف عنه عدم حفظ أمانات المجلس، وعهد عنه التباهي عند الآخرين، بما يقوله من كان حاضراً المجالس, وفي هذه الحالة فإن كتمان السرّ يعقبّ صاحبه السلامة، لأن الصبر على كتمانه ايسر من الندم على إفشائه، وما أحسن ما روي عن زياد في كتمان السر: لكل مستشير ثقة، ولكل سرّ مستودع، وإن الناس قد أبدعت بهم خصلتان: إذاعة السرّ وترك النصيحة، وليس موضع السرّ الا احد رجلين: رجل أخرويّ يرجو ثواب الله، ورجل دنياويّ له شرف في نفسه، وعقل يصون به حسبه، وهما معدومان في هذا العصر. حسن التربية: ذكر ميمون بن مهران أن عمر بن عبدالعزيز قال له: إن ابني عبدالملك قد زُيِّن في عيني، وأنا متَّهم لنفسي فيه، وأخاف ان يكون هواي فيه قد غلب على علمي به، وادركني ما يدرك الوالد من الاشفاق على ولده، فأته واسبره ثم ائتني بعلمه، ثم انظر هل ترى منه، ما يشاكل النخوة فإنه غلام حدث، ولا آمن عليه الشيطان، قال ميمون: فخرجت الى عبدالملك حتى قدمت عليه، فاستأذنت ودخلت، فإذا غلام ابن ستّ عشرة سنة جالس على خشبة بيضاء، أحسن الناس تواضعاً، وإذا مرافق بيض، وبساط شعر، فرحّب بي ثم قال: قد سمعتُ أبي يذكرك بما أنت أهله، وإني لأرجو ان ينفع الله بك، وقد حسبت ان يكون قد غرّني من نفسي حسن رأي والدي فيّ، وما بلغتُ من الفضل كل ما يذكر، وقد حذرت ان يكون الهوى قد غلبه على علمه,, فأكون أحد آفاته. قال ميمون: فعجبت من اتفاقهما، فقلت له: أعلمني من اين معيشتك؟ قال: من عطائي ومن غلة زراعة اشتريت عن ظهر يد ممن ورثها عن أبيه، فوهبها لي فأغناني بها عن فيء المسلمين، فقلت: فما طعامك؟ قال: ليلة لحم وليلة عدس وزيت وليلة خلّ وزيت، وفي هذا بلاغ, قلت له: أفما تعجبك نفسك؟, فقال: قد كان فيّ بعض ما كان فلما وعظني ابي بكتاب منه، بصّرني نفسي وما صغر من شأني، وحقّر من قدري، فنفعني الله عز وجل بذلك فجزاه الله خيراً. فقعدت ساعة أحدّثه واتسمع من منطقه، فلم أر فتى كان أجمل وجهاً ولا اكمل عقلاً ولا أحسن أدباً منه. قال ميمون: فلما كان آخر ذلك أتاه غلام فقال: أصلحك الله قد فرغنا، فكرت فقلت: ما هذا الذي فرغ منه؟ قال: الحمام اخلاه لي, فقلت: لقد كنت وقعت منّي كل موقع حتى سمعت هذا, قال: فاسترجع وذُعر وقال: وما ذاك يا عمّ يرحمك الله؟ قلت الحمّام لك؟, قال: لا قلت: فما دعاك الى ان تطرد عنه غاشيته، كأنك تريد بذلك الكبر، فتكسر على صاحب الحمام غلّته، ويرجع من أتاه خائباً, قال: أما صاحب الحمّام، فإني أرضيه، وأعطيه غلّة يومه. قلت له: هذه نقطة سرف خالطها الكبر، وما يمنعك ان تدخل الحمام مع الناس، وإنما أنت كأحدهم، قال: يمنعني من ذلك ان ارى عورة مسلم، ورعاعاً من الناس، يدخلون بدون أزر، فأكره رؤية عوراتهم، وأكره ان اجبرهم على أزر، فيضعون ذلك مني على حدّ هذا السلطان، الذي خلّصنا الله منه كفافاً,, فعظني يرحمك الله عظة انتفع بها، واجعل لي مخرجا من هذا الأمر,, فقلت له: ادخله ليلاً، فإذا رجع الناس الى رحالهم، خلا لك الحمام، قال: لا جرم لا أدخله نهاراً ابداً، ولولا شدة برد بلادنا هذه ما دخلته أبداً، فأقسمت عليك لتطوينّ هذا الخبر عن أبي، فإني اكره ان يظل عليّ ساخطاً، ولعل الأجل يحول دون الرضا فيه. قال ميمون: فأردت ان اسبر عقله، فقلت: ان سألني: هل رأيت منه شيئا؟ تأمر في أن اكذبه؟ قال: لا معاذ الله ولكن قل رأيت شيئاً ففطمته عنه، وسارع الى ما أردت من الرجوع، فإنه لا يسألك عن التفسير، لأن الله عزّ وجل قد اعاذه من بحث ما ستر. قال ميمون: فلم أر والداً قطّ ولا ولداً قط رحمة الله وبركاته عليهما مثلهما, (المحاسن والمساوئ للبيهقي 1: 252).