باب الصَّداقة في حياة الإنسان بابٌ مهم، لأنه يُدخل الإنسان إلى علاقاتٍ من المودَّة، والمحبَّة، والمصالح المشتركة، ويتيح له مجالاً للبوح بما في نفسه لمن يثق به من الأصدقاء بَوْحاً يُريح به نفسه، ويحصل من خلاله على توجيه أو نصيحةٍ أو مساعدةٍ من صديقه. ومجالات المنافع في عالم الأصدقاء متعدِّدة، ليست المنافع المادية إلا جزءاًَ صغيراً منها، فمن أهم ما ينفع به الصديق صديقه، راحة النفس، وانشراح الصدر، ونَفْضُ غبار الملل من رتابة الحياة وجمود العلاقات الإنسانية، والاستماع إلى كلمة مواسية، وأخرى مسلِّية، وثالثة معزِّية، ورابعة مهنِّئة. هكذا تصبح الصَّداقات في عالم البشر مهمَّة لما فيها من الفوائد والمنافع التي تدخل على قلب الإنسان السعادة. ولكنَّ هذه الصَّداقات لا تصفو لأصحابها بالصورة التي أشرنا إليها سابقاً، فهي إلى جانب ذلك من أبواب القلق، والخلافات، وخيبة الظن، ومن أسباب الانحراف في عقل الإنسان وسلوكه، ورؤيته للحياة، بل إن الصَّداقات من أخطر أسباب انحراف الإنسان وفساده حينما يكون اختيارُ الأَصدقاءِ خاطئاً، وتكون هنالك غفلة من الإنسان وممن حوله من أهله وذويه عن نوع الأصدقاء الذين يسير معهم. إنَّ تأثير الصديق على الصديق، قويٌّ عميق، لأن الصَّداقة بين شخصين أو أكثر تفتح مغاليق النفوس، وتقتحم أسرار القلوب، وتُتيح لها جانب «البوح» بين الأصدقاء بما لديهم من الأسرارفتكون بذلك مؤثرة تأثيراً مباشراً في حياتهم، ومن هنا تنشأ الشكوى بين الأصدقاء، وتنطلق الخلافات التي تُورثها بين الناس الصداقات الزائفة، والعلاقات المضطربة، ومن هنا أيضا كان بابُ التحذير من الصديق الحاقد، أوالحاسد الذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ويروغ عنك كما يروغ الثعلب، باباً واسعاً في آداب الأمم كلِّها، وحكمها، وأشعارها، وأمثالها، ووصاياتها، وتوجيهات علمائها وحكمائها، ومن هنا أيضا كثر حديث أهل العلم والحكمة عن أوصاف الصديق الصَّدوق، الذي يرعى حقَّ الصداقة، ويحفظ جانب المودَّة، ولا يستغلُّ علاقته بصديقه في الإساءة إليه، أو الحصول منه على منافع شخصية إذا حصل عليها ألقى بصداقته وراء ظهره، وأصبحت صفات الحكمة، ورجاحة العقل، وصفاء السَّريرة، وكرم الطِّباع، وصدق الإيمان بالله عز وجلّ، والقناعة، والوفاء، من أهم الصفات التي ترشح حاملها لأن يكون صديقاً تطمئن إليه النفس. وتحدَّث بناء على ذلك علماء التربية وعلم النفس عن أهمية متابعة ولاة الأمر لعلاقات أبنائهم وبناتهم، والصداقات التي يبنونها، لمعرفة نوع الأصدقاء الذين يتعاملون معهم، بل إنَّ إشراف الأسرة أباً وأمّاً، وخالاً وعَمّاً، وإخوة كباراً، على هذا الجانب من جوانب حياة أبنائهم يُعَدُّ من أهم مسؤوليات الآباء والأمهات وولاة الأمر، لأنَّ أثر الصديق في صديقه، والصديقة في صديقتها أثرٌ عميق خطير، فكم من فتى مستقيم أو فتاةٍ مستقيمة انحرفا بسبب صداقةٍ غير سليمة، وكم من إنسان هادئ مسالم تحوَّل إلى شخصية عدوانية شرسة بسبب تأثير صديق شرس الأخلاق عدوانيّ الطباع. وكم من طالب أو طالبة مجتهدين متفوّقين في دراستهما تحوَّلا إلى حياة الخمول والكسل بسبب أصدقاء الخمول والكسل. ولعل من أهم جوانب خطورة صداقة الصديق جانب إطلاعه على خفايا صديقه وبعض أسرار حياته من خلال ساعات المصارحة التي تجري بينهما، فإذا لم يكن صديقاً موثوقاً، استغلّ ذلك للإساءة ونيل ما يريد. وهنالك جانب الرأي والمشورة، فإنَّ الصديق إذا حَزَّ به أمرٌ يسرع إلى استشارة الصديق قبل استشارة الأهل، فإذا لم يكن الصديق صدوقاً مخلصاً قادَهُ بمشورته إلى ما لا تحمد عُقباه من الأقوال والأفعال. الصَّداقات لا يمكن ان تزول ما دام على وجه الأرض بشر يتحرّكون، فلا يصح إهمالها، ولا يجوز للآباء والأمّهات التهاون بها، أو الانشغال عنها، أو الغفلة عن علاقة الصداقة التي تجري بين أولادهم وبين الأصدقاء. احذر عدوُّك مرَّةً واحذر صديقك أَلْفَ مرَّةْ إشارة: قال الشاعر: ولا خير في ود امرىءٍ متلوِّنٍ إذا الريح مالتْ، مال حيث تَميلُ