جاء ردح من الزمن كانت البضاعة اليسارية هي الرائجة، وتاجر المنظرون اليساريون والأحزاب بقضية الفقراء والمعذبين والمنهوبين، وعلى صدى هذا تأسست أحزاب ومهرجانات ومنابر وخطابيون مفوهون لا يشق لهم غبار. واختطف اليساريون القضية الفلسطينية، وأصبحت منظمات التحرير أشكالا و«موديلات» وكلها تدعي تحرير فلسطين وتزايد، وحقيقتها أنها لا يهمها لا فلسطين ولا يحزنون، وكانت فلسطين مجرد بضاعة وشعار، من أجل هدف واحد لا غير، هو إعلاء شأن الاتحاد السوفيتي وتأصيل هيمنة الروس. وهو السبب الأصيل لهزيمة القضية الفلسطينية. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وصمت الآلة الضجاجة، اندحر الناشطون واندثرت «موضة» الاشتراكية، وتشرد اليساريون في آفاق الأرض، وأصبحوا أيتاما على موائد الرأسماليات المتوحشة. وبعد انتصار آية الله الخميني في إيران، تلقف الإخوان المسلمون المناسبة، واستلهموا روح الخميني، وبدأت موضة أخرى في ديار المسلمين، هي «الإسلام السياسي» وعرابوه الإخوان وملهمهم الخميني. لهذا تولع مرشد الإخوان بآيات الله ومشروعه. وكانت الأقطاب الإخوانية تقصد طهران. وتأسست أحزاب إسلامية، بعضها تابع للخمينية وبعضها تأسس على أصدائها. وتعالت شعارات الإخوان، و«الإسلام هو الحل»، وسيطروا على النقابات بأنواعها في معظم البلدان العربية التي تجيز الجمعيات والنقابات. وقدموا أنفسهم أنهم أولياء الله الصالحون الذين سوف يملأون الأرض عدلا، كما ملئت جورا. وفي الحقيقة خدعنا الإخوان بشعاراتهم، مثلما خدعنا اليسار، وثبت، لاحقا، أنهم مجرد تجار ومتحزبين يسعون بالإثم، ويحترفون التنابز بالألقاب. ويبيعون الدين بثمن بخس من أجل دنيا يصيبونها، ويطففون الكيل، ويروجون للدنيا الفانية التي جعلوها غاية ويستخدمون في سبيلها كل وسيلة. والدليل هو أن كبراءهم قد انحطوا إلى مستويات دنيئة من الخطاب ويشنون حربا شعواء، على كل من يرونهم يشكلون عائقا أمام طموحهم لامتلاك نواصي الدنيا وشهوة السلطة والحكم. واتخذوا من أجل ذلك كل سبيل، بما فيها التحالف مع العلمانيين وما كانوا يرونهم فسقة وكفارا. في مصر تمسك الإخوان بالحكم ولم يتخلوا عنه إلا بالقوة القاهرة وإراقة الدماء في يوليو 2013، وهم بذلك يبرهنون على سوءاتهم، ويتخلون عن مبدأ إسلامي أصيل، وهو «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة»، وذلك يحتم عليهم التخلي عن المصلحة- الحكم ما دام أنها تجلب سفك الدماء، لكنهم في سبيل المصلحة مستعدون لارتكاب أخطر المفاسد. وأيضا، في هذه الأيام، يتخذون كبار العلمانيين أندادا من دون الله، يحبونهم، تقريبا، كحب الله. لهذا يرى السلفيون أن الإخوان فاسدون يتخذون من الدين ستارا، وإن لووا ألسنتهم باسم الله. بقي أن نقول إن الإخوان حزب، وقيادته هي التي تهندس السوءات وتحول النشاط إلى بورصة تجارية وعبادة الدينار والدرهم. والأرجح أن كثيرا من القواعد الشعبية الإخوانية مخدوعة أو مغيبة، بل إن مرشد الإخوان وشلته، قد خدعوا رجلا مسكينا وبسيطا، وهو محمد مرسي، ومؤهلاته لا تتعدى إدارة مستوصف أو مكتبة، فبعد أن تأكدوا أن القانون لا يسمح لخيرت الشاطر، الرجل النافذ المهيمن في مكتب الإرشاد، برئاسة مصر، قدموا مرسي، ويعلمون أنه «المبايع» المطيع للمرشد، المخلص الأمين للحزب، كي يتحكم مكتب الإرشاد بالقرارات الرئاسية، وذلك ما حدث بالضبط. وتر لتشدو أيائل الهضاب والوعول.. وحمام الدوح.. ومراويد خمائل الرمش.. لإشراقة الشمس.. إذ تدنو المسافات.. وسفر الصباح.. ومواعيد المطر.. [email protected]