«صلى أعرابي خلف إمام صلاة الصبح، فقرأ الإمام سورة البقرة، وكان الإعرابي متعجلا، ففاته مقصوده، ولما بكر في اليوم الثاني وابتدأ الإمام بسورة الفيل ولى هاربا وهو يقول: الفيل أكبر من البقرة!». من هذه الطرفة سأخرج بمجموعة من المشاهد التي نراها في واقعنا اليوم، ولن أخرج فيها من المسجد أو المصلى: وسأبدأ من صفوف المأمومين، فلدينا اليوم من يُشغل إمام المسجد عندما يرى أنه قد أطال الصلاة لمدة عشر دقائق لكنه يملك الاستعداد ليقف عند باب المسجد لمدة ساعة بلا كلل ولا ملل. ومثله من يريد أن يحول المسجد إلى ملكية خاصة، فتراه يحول المسجد بدون مراعاة لمن حوله إلى فرصة لتبادل الحديث مع من حوله أو العبث بجواله، أو يتخصص في تطويل وتقصير المكيفات حسب برودة وحرارة جسمه. أما إذا انتقلنا جهة الإمام، فلا شك أن على الإمام مسؤولية كبيرة -خصوصا في هذا الوقت- في أن يكون مبشرا لا منفرا، وأن يتحمل المسؤولية التي حمله الله إياها بجعل المسجد وسيلة جذب خصوصا لأبنائنا الشباب لا وسيلة طرد، ليس بالتنازل عن الأركان والواجبات ولكن بتقديمها بالحكمة والموعظة الحسنة كما فعل خير البشرية صلوات الله وسلامه عليه. تطويل الصلاة أو الخطبة وعدم الحرص على الإتقان وعرض المواضيع المهمة التي تبني آخرة الإنسان ووعيه وتحميه من كل فكر منحرف ودخيل قد يكون سببا للهروب من المسجد. وعدم الفقه بتطويل الصلاة في غير وقت ومكان إطالتها ينافي الحكمة، أحيانا تصلي في المطار أو في مسجد على طريق سفر أو حتى في مصلى مستشفى أو مصليات الإدارات الحكومية، فتجد من يصلي بالناس يطيل حتى تضيع الرحلة على المسافر ويتعطل النظام على المراجع. ولذلك احترام المجتمع ولله الحمد للأئمة كبيرة، وهم يستحقون، فدورهم حيوي وأساس، ولكن لا بد من الموازنة بين الفيل والبقرة، ليس من أجل إرضاء الناس، بل من أجل تقديم دين الله العظيم بالصورة الصحيحة، لبشرية هي بأمس الحاجة له بصورته الصحيحة.