«ذهب أحد الظرفاء يوما إلى السوق، فرأى بيد الدلال سيفا ينادي عليه بثلاثة آلاف، فأخذه بيده وتأمله، فلم يجده يساوي هذه القيمة، هنا سأل عن السر في ارتفاع ثمن هذا السيف، قال المسوقون ومن حولهم: هذا السيف جيد الصنعة، فهو يطول خمسة أذرع إذا ضرب به الإنسان عدوه، هز الظريف رأسه وانصرف، وفي اليوم التالي جاء إلى السوق بملقط كبير، ونادى عليه: الملقط بثلاثة آلاف! وأخذ يدور به، فتعجب أهل السوق وجعلوا يتأملون الملقط، فوجدوه لا يساوي شيئا، هنا قالوا: ما مزية هذا الملقط حتى تنادي عليه بثلاثة الآف؟! قال الظريف: بالأمس زعمتم أن السيف يساوي ثلاثة آلاف لأنه يطول خمسة أذرع حين يضرب به الإنسان عدوه، في حين أن هذا الملقط يساوي أكثر منه بكثير، لأن امرأتي عندما تغضب مني وترميني به يطول عشرة أذرع!». كفانا المولى شر كل ملقط يطول ويقصر!، وأعتقد جازما أن سيف أهل السوق وملقط الظريف لم يبقيا طرفة محفوظة في بطون التاريخ، بل عادا بقوة، وأصبحا نماذج لفنون التسويق. اليوم باسم التسويق ابتعدنا عن تعاليم ديننا وما تربينا عليه من قيم، فأصبحنا نسعى من خلال الكذب والغش والتدليس لأن نوقع من لا يحتاج في شراء ما لا يحتاج، ومن لا يستحق في شراء ما لا يستحق! فخسر الجميع ولم يربح أحد، لأن الناس أصبحوا بين مخدوع ومخادع. في كل ما سبق لا شك أن المسوق بالخديعة يستحق اللوم والتأنيب، ولكن أيضا اللوم الأكبر يقع على عاتق من يسلم (ومن تسلم) رقبته وميزانيته لمن يتلاعب به، ولو كنا على دراية بواقعنا واحتياجنا وفكرنا قليلا بما تنقله لنا شاشات التلفاز ومقاطع السناب لوجدنا أن كثيرا مما تزدحم به مستودعات بيوتنا، نحن لسنا بحاجة إليه فعلا، والدليل أننا اشتريناه ونسينا مكانه. بقي أن نكون أكثر وعيا كمستهلكين، وأن ندرك -كشباب طموحين- أن التسويق نجاح ووسيلة للنجاح، ولكن عندما يكون تسويقا لما يستحق، وهذا يحتاج إلى جهد وعمل مسبق، وإلا فإن الكذب حبله قصير جدا، وسقوط صاحبه أسرع مما يتصور!.