التوجه الصناعي الذي بدأنا خطواته الأولى، وبالأخص مع إطلاق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد مؤخرا برنامج تطوير الصناعات الوطنية وهو أحد برامج رؤية المملكة 2030، يؤكد أننا مقبلون على نقلة وطفرة مهنية وصناعية ستحدث تحولا مهما، نلمس جوانبه الإيجابية قريبا -بإذن الله-، وسينعكس على رفاهية ونماء البلد بما يحققه من توفير آلاف الفرص الوظيفية وتصدير الكثير من الصناعات التي تؤمن مداخيل للعملة الصعبة، وأغلبنا يعلم أن الدول المتصدرة صناعيا على مستوى العالم يعيش مواطنوها في رفاهية ونماء، وبلدانهم متطورة عمرانيا وعلميا، وهذا ما تسعى إليه المملكة الجديدة في ظل رؤية 2030. مع التحول الصناعي السريع ستنشأ بالتأكيد فجوة المهارات وبالذات إذا كان المجتمع غير مستعد لهذه النقلة الكبيرة، ونحن هنا لم نستعد على مستوى التدريب المهني لهذا التحول، حيث لا يوجد تعليم مهني أو تدريب يواكب هذه الطفرة الصناعية. على مستوى الجامعات تقبل جامعاتنا ما يقارب 90% من خريجي الثانوية العامة، وهذا بالتأكيد سيلقي بظلاله على نقص في المهارات المطلوبة لشغل الكثير من الوظائف الصناعية، فالعمل في المصانع والمعامل يؤمن الوظيفة لصاحب المهارة، أما صاحب الشهادة الأكاديمية فلا مكان له هنا، وتشير إحصاءات التعليم الجامعي الأوروبي إلى بلوغ نسب القبول بالجامعات إلى أرقام قياسية. وفي بريطانيا تبلغ النسبة نحو 50% من خريجي طلاب الثانوية وهي أكبر نسبة على الإطلاق. مما دعا جهات الصناعة في بريطانيا إلى المطالبة بعودة الاهتمام بالتعليم المهني نظرا للنقص الملحوظ في المهارات المطلوبة لشغل الكثير من الوظائف، خصوصا مع استعداد بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي والحد من نسبة المهاجرين الأوروبيين إليها. الاستعداد للدخول إلى المجال الصناعي يجب أن يبدأ باكرا من خلال تكثيف التدريب وإنشاء المعاهد المتخصصة التي تواكب هذه النقلة وكذلك الجامعات المهنية التي يتخرج منها الطالب إلى المصنع والمعمل مباشرة بدون الحاجة إلى دورات تأهيلية، ولذلك لابد من تجهيز مراكز التدريب مختلفة التخصصات التي تلبي كافة احتياجات القطاع الصناعي، بدءا من المرحلة الثانوية، حيث يمكن إعطاء الطالب دراسة لمدة ثلاث سنوات في تخصصات مثل الكهرباء وصيانة الأجهزة والميكانيكا والنجارة وغيرها، والجميل في هذه العلوم أنها تؤمن الوظيفة مباشرة بعد التخرج، وليس هناك حاجة لانتظار الخريج على مقاعد البطالة كما هو حاصل مع خريجي الجامعات التقليدية، أيضا الجامعات المهنية تعتبر مطلبا مهما في هذه المرحلة لتوطين الوظائف الصناعية وإن كنت أعتقد أن المهني المحترف سيفرض نفسه سواء أكان مواطنا أم وافدا. توجد عقبات اجتماعية ونفسية تصاحب العمل المهني وتحتاج لتصحيح الصورة عن هذا النوع من الأعمال، وفي إحصاء لإحدى المؤسسات المتخصصة في أوروبا أجابت نسبة 72% من أصحاب الأعمال بأن من الضروري وجود مهارات في السوق لشغل الفراغ في الوظائف، وأن التعليم المهني هو الطريق الأوضح لشغل هذه الوظائف، وفي المقابل رأى نسبة 27% فقط من أولياء الأمور أن التعليم المهني طريق مهم للطلاب، ولم يشجع سوي 50% أبناءهم على تجربة التعليم المهني كبديل للجامعة. كما لم تشجع المدارس طريق التعليم المهني، حيث قال نسبة 35% من الطلبة إن مدارسهم شجعتهم على هذا المجال بينما أكد نسبة 65% على تشجيع المدارس على الالتحاق بالجامعة. الطريق صعب وليس مستحيلا فهل نبدأ بالتعليم المهني لمواكبة نقلتنا الصناعية.