لم يعد الادخار مقصورا على التعاملات الفردية بين الأشخاص، بل صار في النظم العالمية الجديدة ثقافة عامة من خلالها تزيد الأمم فرصها في التقدم والخطو إلى الأمام، وذلك عبر محافظة على المال وإنفاق في حدود ما يلزم وتسخير للمُدخَر في اتجاه ينمو من خلاله ويزداد. وبالنظر إلى أمر الادخار نجد أننا كمسلمين أولى به من أي أمة أخرى، ذلك لما ارتكز عليه ديننا الحنيف من ذم للمبذرين ومدح لأولي القسط من الناس، (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)، (لَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)، ما أعظم القرآن في تعبيراته وإرشاداته شديدة التفصيل لنا، إنه بشكل مباشر يبني في الفرد المسلم مبادئ الادخار الأولية، ثم يأخذه في صورة بديعة نحو تصور حاله حينما يكون مبذرا أو لا يحسبها بدقة كافية، وفي هذا الأسلوب الرباني ما يفي لإقناع الناس، لكن التذكير بفحواه دائمًا أمر واجب وجيد، والتذكير أنواع أفضلها الطرق النوعية المشجعة المراعية للحال والمآل. من أجل ذلك سرني كثيرا الجهد المشكور في كل اتجاه من أجل المحافظة على مواردنا الطبيعية وترشيد الإنفاق في كافة جهات الدولة المختلفة بل والاتجاه نحو المجتمع في محاولة لتعديل سلوكياته الخاطئة، وذلك تأسيسا لانتقال محمود صوب عهد جديد تبدؤه المملكة، كل هذا عبر رؤيتها الطموحة 2030. تلك الروح الوثابة المخلصة لوطنها انعكست صورها على كافة مؤسسات الدولة وخططها الجزئية، وهو ما رأيناه بالفعل مع برنامج زود للادخار المالي الذي أطلقه بنك التنمية الاجتماعية قبل نحو أسبوعين، حيث دخلت الدولة به على خط مواجهة التبذير والأخذ بيد المجتمع نحو فهم ثقافة الادخار وما له من فوائد جمة على الفرد والوطن؛ ليس هذا فحسب بل تقديم المحفزات والخيارات الاقتصادية النوعية التي تشجع الجميع على الخطو فعليا في اتجاه الادخار وكل ما يؤدي إليه. لقد انطلق «منتج زود» ليكون الأول على مستوى المملكة من حيث نوعيته واختلافه، وليكون بمثابة الخطوة العملية والعلمية الأبرز التي تتبعها المملكة على طريق التغيير المجتمعي وزرع ثقافات جديدة من شأنها أن ترسخ فعليا لعهد جديد لا على المستوى الاقتصادي فحسب بل على المستويين الاجتماعي والنفسي أيضا. ويمكنني القول إن «منتج زود» هو خطوة رائعة على الطريق الصحيح لن تكتمل إلا بوعي مجتمعي بقيمتها وما تدعو إليه، ومن ثم تجاوب وترسيخ بداخلنا للقيمة الرائعة المستهدفة به، فالادخار كان وما زال طريقنا الأمثل نحو مستقبل مشرق نعتمد فيه على أقل الموارد لنصنع منها أضخم المعجزات والإنجازات، كونوا على قدر التغييرات الإيجابية التي يمر بها وطننا الحبيب وسيروا بكل ما أوتيتم من قوة نحو التجاوب والمبادرة وتغيير الذات فذاك الطريق السليم الذي ينبغي علينا التضافر من أجل تحقيق غاياته.