توالت خلال القرن المنصرم على منطقتنا الخليجية أحداث جسيمة، وطرأت عليها تغيرات عدة، الأمر الذي جعل الأسرة الخليجية تغير بدورها من أساليب معيشتها في محاولة للتدارك والتعايش مع الظروف المحيطة التي تتغير باستمرار وبشكل جذري. فمع بداية التنقيب عن النفط والثروات الباطنية في المنطقة وتوحيد المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود "طيب الله ثراه" تغيرت حال منطقة وسط الجزيرة العربية خصوصاً والخليج عموماً، إذ انتقلت تلك التجمعات القبلية المتناحرة والمتنازعة فيما بينها من حياة يغلب عليها طابع الكفاف والتقشف إلى حالة من الثراء واليسر المادي، وكان هذا التحول الفجائي -الحميد في أغلب جوانبه- سببا لبعض التناقضات والمشاكل التي عصفت بالأسرة الخليجية، هذه الأسرة التي تميزت عبر التاريخ بقوة وشائج الارتباط بين أفرادها، ويبدو هذا الفرق جلياً بين الأجيال المتعاقبة في الأسرة الواحدة ففي حين تمسك كبار السن بحياة التقشف باعتبارها اسلوب الحياة الأمثل لمن يعيش في هذه البيئة الصحراوية القاسية، وهي الحياة التي عاشها آباؤنا واجدادنا على مر العصور، ترى الأجيال التي أعقبتها وبالتدريج تستسلم لأسلوب البذخ والإسراف ومغريات الحياة لا سيما مع توفر السيولة المالية التي أنعم الله بها على الدول الخليجية خلال الطفرة الاقتصادية الاولى ليرتفع دخل الأسرة فيها بفارق كبير عن مثيلاتها في الدول العربية الأخرى، ومن هذه المفارقات الكثيرة نذكر ما نشرته صحيفة "الرياض" عن إنفاق السعوديين أكثر من 4 مليارات ريال على "الكبسة". وفي هذه الأيام يمر العالم بأكمله بأزمة مالية عاصفة، ضربت أطنابها في شتى نواحي الحياة، مترافقة مع أزمة أخرى تتمثل بارتفاع الأسعار الجنوني وغلاء المعيشة الذي طال كل شيء، حتى رغيف الخبز قوت الفقراء لم يسلم من هذا الارتفاع المتصاعد. هذا الوضع يقتضي منا مراجعة الحسابات وشد الأحزمة والوقوف من جديد على حافة الطريق لنرسم بنية تحتية لاقتصاد الاسرة الذي يتماشى مع الوضع الجديد والرؤية المستقبلية لهذا الوضع. لا شك ان دخل الفرد الخليجي مرتفع بالنسبة للدول العربية، وهو يتعايش مع هذا الوضع، حيث ينفق هذا الدخل وزيادة، لكن الامر المستغرب أنك لا تجد من يضع حدا لهذا الإنفاق، فالاب مسرف قبل ولده والأم مبذرة قبل ابنتها، وما هذا الا نسيانا أو تناسيا لتعاليم ديننا الحنيف وقوله تعالى (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) .الأسرة المبذرة تعلم أن هذا التبذير مخالف لشرع الله تعالى، وأن كثيرا من الاسر في هذا العالم المتمدن تنام من غير عشاء، لا ندعو هنا إلى أن يحرم الإنسان نفسه من نعم الله ومتع الحياة المشروعة، لكن الاعتدال واجب وهو من صلب تعاليم ديننا الحنيف فإن الله يحب ان يرى أثر نعمته على عبده وهو القائل (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً). إن هذه النعم التي أنعم الله بها على عباده ومنهم الأسرة الخليجية يجب أن تقابل بالشكر والمنة والاعتدال في الانفاق وكبح جماح الاسراف والتبذير، فالمال قد يكون سببا في انحراف ابنائنا عن الجادة السليمة، فالترف الزائد يلهي المرء عن خالقه فلا يفكر بأكثر من تأمين وسائل السعادة والترفيه ليصل به الأمر إلى الانغماس في اسلوب حياة الترف والتخلي عن أعماله وواجباته تجاه أسرته ومجتمعه ووطنه ودينه، وهنا نذكر بالقول المأثور (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم..) ونتمنى من الله أن يديم علينا النعم والأمن والأمان والرفاه والرخاء. *المدير الإقليمي لمكتب دبي