لو طلبت مني كتابا يشرح لك طبيعة السياسة القطرية خلال العقدين الأخيرين، لأحلتك فورا إلى رواية «الحالة الغريبة لدكتور جيكل ومستر هايد» التي كانت تتحدث عن حالة انفصام يعاني منها رجل، حتى أصبح شديد الخطورة على محيطه. ورغم أن هذه الرواية صدرت قبل مائة عام إلا أن قطر هي تجسيد حاضر لكافة صفحاتها، ويالها من مصادفة أن مؤلف الرواية هو الروائي نفسه الذي كتب رواية «جزيرة الكنز»! لماذا تذكرت هذه الرواية الآن؟... السبب هو أنني قرأت تصريحا قطريا يطالب من على منبر الأممالمتحدة، دول المقاطعة العربية، بوقف إجراءاتهم ضد الدوحة، لأنها تضر الاقتصاد القطري، بينما كان وزير الدفاع قبل أيام يقول إن بلاده ترفض أية مصالحة دون قبول شروطها. الفاصل بين الحديثين، حديث التباكي أمام المنظمات الدولية، وحديث الصمود والتصدي، بضعة أيام لا أكثر. من يتابع السياسة القطرية منذ انقلاب الشيخ حمد لا يستغرب حالة التناقض هذه، فهي تكاد سمة غالبة على طريقة تعاطي قطر مع كثير من الملفات السياسية في المنطقة. فتحت الدوحة قناتها، الجزيرة، لكل القوميين العرب، بينما كانت الدولة التي استضافت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، عيانا بيانا. إنها الدولة التي تحتضن أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، وهي الدولة ذاتها التي تروج لخطب أسامة بن لادن الداعية لإخراج الأمريكيين من جزيرة العرب. والكثير الكثير من التناقضات العجيبة. إن المقاطعة العربية لقطر قد تطول، وتمضي لسنوات مقبلة. لا حاجة لدول الجوار بها ولا ضرر عليها. ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن قرار المقاطعة الذي قادته السعودية بكل قوة، يعتبر واحدا من أهم القرارات الإستراتيجية التي اتخذتها المملكة لحفظ أمنها الوطني، ذلك أن الدوحة كانت الدولة التي تعمل وفق خطة ممنهجة لإسقاط المملكة وتقسيمها. حين تسربت التسجيلات التي تظهر خطة التآمر القطري على المملكة تساءل وزير الخارجية حينها الأمير سعود الفيصل في حديث مع الوزير الإماراتي أنور قرقاش: «هل هم يعيشون في قوقعة لوحدهم؟». كان الوزير الخبير يسخر من أن رجال السياسة في قطر لا يعلمون أن أي اهتزاز في أمن أي دولة مجاورة لقطر لا يمكن إلا أن يتسبب في هزها أيضا. وربما يتساءل البعض هل قطر أخطر من إيران على السعودية؟ والإجابة نعم بكل تأكيد. في الوقت الذي كانت فيه إيران تعلن عداءها للمملكة بشكل علني، سعت قطر للى العمل بهدوء لاختراق عدد من المنظومات الاجتماعية في المملكة. استغلت روابط القرابة، واللغة، والجوار، وسهولة التنقل، لتكوين لوبي ضخم لها. أنفقت عشرات الملايين من الدولارات لترويج ثقافة الإحباط في المملكة، ومحاولة استغلال كل التكتيكات التي تبنتها في ثورات الربيع العربي. بيد أن القرار السعودي بالمقاطعة أعاد قطر إلى حجمها الطبيعي، وربما أصغر منه، وهدم مشروع التغيير في العالم العربي الذي كلف قطر مليارات الدولارات، وتأكد للمواطن العربي أنها فعلا قضية صغيرة... صغيرة جدا.