الحديث الذي أدلى به قبل يومين، وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة، أنور قرقاش، يتطلب العودة إليه تفصيلاً لتوضيح الحقائق، وكان أوضح تصريح لمسؤول في دول المقاطعة تطرق فيه إلى نقاط عديدة، وشدد على أن قطر قوضت جهود الوساطة بشأن الازمة الخليجية، بعد تسريبها وثيقة المطالب، حينما قال: إن «تسريب المطالب تصرف طفولي ومراهقة سياسية تخالف الأعراف الدبلوماسية». وأكد في حديثه للصحفيين في دبي أن «قطر فور تسلمها وثيقة المطالب من الوسيط، سربتها للإعلام، وكان يفترض أن تتم جهود الوساطة بعيدا عن الكاميرات، وهذه ضربة لكل جهود الوسيط». وتابع «الثقة في قطر منعدمة، بسبب سياساتها في دعم التطرف والارهاب، وبعد هذا التسريب اهتزت الثقة مرة أخرى، في بحثها الحقيقي عن حلول». ولا يبدو والحال كذلك أن المخيلة القطرية قادرة على ابتكار طرق جديدة لتبرير موقفها المهتز، سوى الاستمرار في مسلسل البكائية وادعاء المظلومية. ضمانات قرقاش أوضح أن «إحدى الافكار المطروحة لحل الأزمة أن تكون الرقابة والضمانة، اوروبية أمريكية لأي تعهد قطري، وقد وجدت ترحيبا بذلك في اوروبا»، مشيرا الى أن «حاكم قطر وقع في عام 2014 على اتفاقية بعد سحب السفراء من الدوحة ووساطة الكويت، لكن قطر لم تلتزم ببنود الاتفاقية، لذلك لا بد من ضمانة اوروبية». وبالتأكيد لم تجنح الدول المقاطعة للخيار العسكري، والذي أوضحه قرقاش بقوله: «لا نية لدى دول المقاطعة للجوء للتصعيد العسكري وليس من مصلحة الخليج العربي التصعيد، والقاعدة الأولى هي الحكمة، هل قطر مستعدة لحياة منعزلة عن محيطها الامارات والسعودية والبحرين؟ ما زلنا نحاول عبر الدبلوماسية حل الأزمة مع الدوحة». وحول ادعاءات الدوحة الذي تتشدق به بطلانا بادعاء حرية الإعلام، تطرق الوزير الاماراتي للحديث عن قناة الجزيرة القطرية بالقول: «قضية الجزيرة ليست متعلقة بحرية الصحافة، بل تتعلق بدعمها للتطرف، النسخة العربية من القناة هي منصة للإرهاب والتطرف، وكانت القناة المفضلة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن». وشدد على أن «على العقلاء في الدوحة أن يفهموا عواقب انعزالهم عن بيئتهم الطبيعية». هذا أو الفراق وقال قرقاش حول الموقف التركي: «الاتراك عادوا بعد 100 سنة من انسحابهم من قطر، وتركيا لها مصالح كبيرة جدا في المنطقة، ونتمنى أن تتعامل تركيا مع الوضع بتعقل، وأن تكون أولوياتها مصالح الدولة التركية وليس الايدلوجية الحزبية». وأشار إلى أن «وجود الجنود الاتراك في قطر، تصعيد ليس له معنى، وهو شعور بعدم الاستقرار وعدم التوازن في قطر، والاستقرار الحقيقي هو الانسجام مع المحيط وليس استعداءه». وأبان: إن «البديل في حال عدم تعاطي قطر مع المطالب التي قدمها لها الوسيط الكويتي لن يكون التصعيد وإنما الفراق»، مضيفا «أننا لا نتحدث عن تغيير النظام في قطر ولكن تغيير السلوك». وأكد قرقاش أن «خلاف الدول الخليجية ومصر مع قطر ليس مسائل سيادية وإنما يتعلق بدعم الإرهاب». وقال: «إننا نأمل أن تدرك قطر تبعات سياستها ضد دول الجوار وأن تسود الحكمة في الدوحة، وكل ما يجري هو محاولة لوقف قطر عن دعمها الارهاب والتطرف»، مشيرا الى أن «الأوروبيين لديهم اطلاع على انفاق قطر الضخم على الجماعات المتطرفة». ادعاء المظلومية والحال كذلك، لا يبدو أن المخيلة القطرية قادرة على ابتكار طرق جديدة لتبرير موقف الدوحة المهتز، سوى الاستمرار في مسلسل البكائية وادعاء المظلومية. الحجة القطرية هذه المرة تقول إن قطر بلد صغير لا يمكنه تلبية مطالب الكبار الصعبة، وهي حجة سقطت منذ الساعات الأولى لترديدها بمواجهة مجموعة من حقائق التاريخ والمنطق معا. فالتاريخ شاهد على اتفاق الرياض، الذي وقعت عليه قطر عام 2013، والاتفاق التكميلي عام 2014، مما يعني قبول الدوحة بما في الاتفاقين من مطالب. هنا يقف المنطق عاجزا عن تبرير رفض قطر الضمني الآن لما وافقت عليه في الماضي قبل ثلاث سنوات وأكثر. صحيح أن الرفض لم يصدر رسميا، لكن المتابع لوسائل الإعلام الدائرة في فلك الدوحة لا يخفى عليه ما يدور من نقاشات في أروقة «قصر الريان». عدم احترام التعهدات إذًا، العالم أمام نظام لا يحترم تعهداته، بل و يقر علنا بذلك، ولأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فلم تجد الدول المتضررة من السياسات القطرية إلا التشدد في مطالبها هذه المرة، لتتجنب إعادة ذات السيناريو دون ضمانات واضحة من طرف اعتاد نكث العهود. ومن غير المعروف حتى الآن من أشار على صانع القرار القطري بتسريب قائمة المطالب، فقد أضر من حيث أراد أن ينفع، فالتسريب دليل على رفض الدوحة لتحكيم العقل والمنطق. وقالت رويترز أن أن مسئولاً في دول المقاطعة أدلى لها بالحديث حول نقاط، لكن رويتزر بثت خبرها في وقت كانت فيه وثيقة الشروط التي سربتها قطر قد انتشرت في شبكات التواصل الاجتماعي. وإذا كانت قطر ترغب في حل الأزمة، فكان لا بد أن يكون قادتها الآن عاكفين على دراسة المطالب، لا تسريبها لوسائل الإعلام. وإذا كانت قطر حريصة على علاقاتها الخليجية لكانت منحت نفسها وقتاً لدراسة المطالب بدلا من رفضها ضمنيا. قصر النظر والواضح أن قرار قطر تسريب المطالب بدلا من الرد عليها خلال القنوات الدبلوماسية يثبت أن الدوحة لم تعد في حاجة للوساطة الكويتة وتسعى لإفشالها مكتفية بالحليف الإيراني. قصر النظر هذا الذي تعاني منه الدوحة جعلها لا تدرك أن غالبية المطالب المقدمة تهدف إلى حماية دول مجلس التعاون الخليجي وضمان استمراريته كقوة إقليمية مؤثرة. ولأن سوء التقدير يلازم الدوحة فهي لم تدرك أيضا أن المطالب المقدمة تسعى لمنع التدخلات الأجنبية في البيت الخليجي. القراءات القطرية الخاطئة للمواقف الإقليمية والدولية تجعلها أيضا لا تدرك حقيقة واضحة مفادها أن المطالب المقدمة تعبر عن موقف موحد للدول الأربع المقاطعة، وليس موقف دولة بذاتها. والواضح أن قصر النظر.. وسوء التقدير.. والقراءات الخاطئة.. عناصر ثلاثة تمثل العامل المشترك الأعظم لكل تصرفات الدوحة خلال الفترة الأخيرة. وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات أنور قرقاش (رويترز)