تناقل العديد في مواقع التواصل الاجتماعي خبر إلغاء كبرى شركات التكنولوجيا العالمية لشرط وجود شهادة جامعية عند تعيين موظفيهم، وأوضحت تلك الشركات أن سبب ذلك يرجع كون المهارات أهم من الشهادات، وستعتمد في سلّم أجورها على مهارات المرشحين، وليس الدرجات العلمية، وأضافت تلك الشركات إن هذا التوجّه سيكون هو السائد مستقبلًا. بداية الأمر من المهم أن نوضح أن لكل وظيفة في أي سوق عمل نوعَين من المهارات المطلوبة لشغل تلك الوظيفة، فهناك مهارات ناعمة «Soft Skills» ومهارات صلبة «Hard Skills»، والعديد من المختصين لا يفرقون بين هذين النوعَين، ويعتمدون فقط على التصنيف العام، ولتوضيح الفرق بينهما نجد أن المهارات الناعمة هي المهارات والقدرات التي يمتلكها الفرد، وتساهم في تطوير ونجاح المنشأة التي سيعمل لها خاصة المنشآت التي تتعامل مع الجمهور مباشرة، مثل مهارات «التواصل، التنظيم، إدارة الأزمات والتفاوض»، أما المهارات الصلبة فهي التي تتسم بثبات قواعدها وبنيتها الأساسية، وتتمثل في الخبرة والمؤهلات. مستوى تلك المهارات يختلف من وظيفة لأخرى، ويعتمد على التدرج الوظيفي، وكلما زاد التدرج في وظيفة معيّنة فسيختلف معها مستوى المهارات، فبعض الوظائف التي تكون في بداية المسار الوظيفي توصل أهمية وجود المهارات الناعمة فيها إلى 85٪ تقريبًا من الاحتياج في المرشّح مع البعض من المهارات الصلبة، ويمكن تصنيف الوظائف وفقًا للمهارات لثلاثة أقسام «وظائف تحتاج مهارات صلبة وبعض المهارات الناعمة مثل علماء الفيزياء» و«وظائف تحتاج مهارات صلبة وناعمة بنفس الوقت مثل المحامين يحتاجون لقواعد أساسية في المحاماة ومهارات للتفاوض»، و«وظائف تحتاج في الأغلب لمهارات ناعمة والقليل من المهارات الصلبة مثل المبيعات، فمثلًا موظف مبيعات السيارات لا يحتاج لمعرفة الكثير عن تفصيل السيارات بقدر ما هو مهم وجود مهارات للتفاوض والإقناع». في السوق السعودي تأخرنا كثيرًا في إيجاد الحلول للفجوة بين احتياجات سوق العمل ومخرجات المؤسسات التعليمية، وهذا أمر يتفق معي فيه الكثير، وبتشخيص الوضع الراهن سنجد أن مؤسساتنا التعليمية تتهم قطاع الأعمال بعدم الاهتمام في توظيف خريجيها، والتوجّه لاستقطاب العمالة الأجنبية رخيصة الأجر، بغض النظر عن تخصصاتهم العلمية، وقطاع الأعمال يتهم المؤسسات التعليمية بضعف مخرجات التعليم وعدم تناسبها مع احتياجات سوق العمل، وهذه الدوامة ستستمر طويلًا، ولن يتم حلها إلا من خلال تشريعات بالاعتماد على نتائج دراسات الانكشاف المهني التي قامت عليها وزارة العمل قبل فترة. كتبتُ في مقال سابق عن أهمية وجود برنامج وطني للمهارات يشمل المهارات الناعمة والصلبة، ومن خلال هذا البرنامج سيزداد التراكم المعرفي بشكل أكبر في سوق العمل وسيكون داعمًا لتقليص معدل البطالة، فالسوق السعودي كأي سوق آخر تختلف فيه نوعية الوظائف، ويمكن وصفه بسوق تسيطر عليه الوظائف التكميلية أكثر من الوظائف التطويرية التي لها مسار وظيفي واضح، وتتميّز باستدامة أطول، وتماشيًا مع الإعلان عن المشاريع الجديدة وفقًا لرؤية المملكة فسنجد أن الوظائف التي تعتمد على وجود المهارات «الصلبة» بشكل رئيسي سيزداد عددها أكثر من قبل، وهذا لا يعني تجاهل المهارات «الناعمة»، والتي تعتبر أساسًا، ولها ارتباط أكبر مع الإنتاجية. ختامًا.. كوجهة نظر شخصية أرى أن الحصول على الشهادات العلمية لا يعني في الغالب ضمان توظيف المرشح أو حتى ترقيات الموظفين الحاليين، والاعتماد على تطوير الذات والمهارات الناعمة أفضل بكثير من الاعتماد على الشهادات العلمية فقط.