عنّت لي فكرة الكتابة عن الشهرة وتداعياتها بعد نقاش مع جمع مختلف الثقافات عن علاقتها بالموهبة، أو بأمور أخرى في المجتمعات البشرية المختلفة في عصرنا الحاضر. وكانت المواقف متباينة بين آراء المشتركين في ذلك النقاش، لكن جميعها اتفقت على أن عوامل الشهرة في عصرنا الحالي ليست مرتبطة بوجود الموهبة لدى الشخص الذي يتحصل على نصيب من الشهرة، بل إن عوامل الصدفة والعلاقات الشخصية، وربما وسائل الإعلام هي التي تنقل بعض أولئك المشهورين من عالم المجهولين إلى بهرجة الأضواء وسعة معرفة الناس بهم، سواء في بلدهم أو في مختلف بلدان العالم. وقد اضطررنا بعد أن تشعب النقاش بشأن درجات مختلفة من الشهرة إلى تعريف المصطلح، وماذا نعني بالشخص المشهور؟ فتبرع أحدهم بتعريف سهل لذلك المفهوم، بأنه الشخص الذي إذا وضعت صورته في أي وسيلة إعلامية، فإنه لا يحتاج معها إلى كتابة اسمه تحت الصورة. لكن مثل هذا التعريف لا يسلم أيضا من الغموض، فربما كانت الوسيلة الإعلامية، التي تراه مشهورًا، تفعل ذلك، لكنه لا يكون كذلك لدى شرائح أخرى من المجتمع من غير المتواصلين بتلك القناة الإعلامية، أو في غيره من المجتمعات. وتبقى بالطبع البلدان المتقدمة، وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، هي مصدر الشهرة الكبيرة لكثير من ذوي الصيت المدوي، حتى ان أحد الأوروبيين قال: إن بعض أبناء بلده لم يكن مشهورًا، إلا لأنه انتقل إلى أمريكا، ومن هناك أصبح اسمه معروفًا دون أن يعرفوا أنه ينتمي إلى هذا البلد، إلا في وقت متأخر من شهرته. وتعليقًا على ذلك، قلت لهم: إن هذا الأمر جزء من الظاهرة التي توجد لدى العالم الغربي (والولاياتالمتحدة على وجه الخصوص)، بأن يكون تصور حدود المواهب والإمكانات نابعًا مما يوجد هناك، سواء في العلوم أو الفنون أو الأدب أو بقية شؤون الحياة. فردّ زميلنا الأمريكي على ذلك، بأن السبب ربما يعود إلى وجود هوليوود، التي تصنع معايير الشهرة من البيئة المحيطة بها مباشرة، وفي رأيي أن هذه واحدة من وسائل تعمية المجتمع الأمريكي عن رؤية أصناف البشر في مختلف أصقاع العالم، وتقدير امكاناتهم التي قد تفوق ما يوجد على الأرض الأمريكية. وأظن امتلاء ما يسمى «وادي السيليكون» في كاليفورنيا بأفواج الوافدين الهنود ذوي المواهب الفائقة في تقنية المعلومات، وسيطرتهم على سوق شركات التكنولوجيا، لهو أحد الدلائل على عدم ارتباط وجود المواهب ضرورة بذلك البلد المتقدم وذي الاقتصاد الهائل. على أي حال، تعددت الآراء بعمق في جوانب تلازم أبعاد هذه الظاهرة، لكن بعض الأمثلة كانت من الطرافة، أرغب في إيرادها للقراء عن عدم ارتباط الشهرة بقدرات أو مواهب، بل هي محض صدف يتحصل من خلالها المرء على جواز المرور إلى عالم الشهرة إذا عرف طريقة استغلاله. فقد حكى زميلنا الإسباني، أن إحدى المذيعات المشهورات في قنوات تلفزيونية إسبانية لم تكن لديها قدرات إعلامية أو شكل جذاب، بل إن وسيلة وصولها إلى الشهرة، أنها كانت تشتغل بالأجر اليومي على رعاية أبناء ديفيد بيكهام عندما كان يلعب في فريق ريال مدريد الإسباني. ولكون زوجته فيكتوريا بيكهام أيضا مشهورة جدا، فقد كانت كاميرات التصوير ترافقها، عندما تأتي إلى بيتها، أو عند خروجها ووجود هذه الموظفة الإسبانية في الصورة. فأصبحت وجهًا مألوفًا للإعلام الاسباني، وربما أجريت معها بعض المقابلات البسيطة في عملها ذاك المحدود الذي لا يحتاج إلى أي موهبة. وفي الجزء الآخر من المقالة سأتعرض إلى عوامل تلك الشهرة في مجتمعاتنا الشرقية، ومدى اختلافها أو خصوصيتها.