وجد كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الفرصة المناسبة لإبراز مواهبهم، وأفكارهم وأعمالهم وعرضها على الآخرين عبر منصاته المفتوحة، والمتاحة للجميع، حتى أصبح بمقدور أي منهم أن يصل إلى منصة الشهرة والنجومية وهو غير جدير بها، إذ تابعنا مؤخرًا بعض التجاوزات الصادمة لسفهاء المشاهير والتي وصلت إلى حد التطاول على الدين والخروج عن إطار الأدب العام والحياء ورغم يقظة المتابعين وأنكارهم لمثل تلك الممارسات وسرعة تجاوب الجهات الأمنية في القبض عليهم إلا أن أعدادهم في ازدياد الأمر الذي يحملنا على أن نتسآل عن الأسباب ونبحث عن حلول لمعالجة تلك الظاهرة المزعجة لكافة أفراد المجتمع. بريق الشهرة بداية يوضح د. خالد النقية - عضو هيئة التدريس في علم الاجتماع جامعة الإمام محمد بن سعود – أن سهولة التعامل مع التقنية الحديثة في مجال الاتصال وبريق الشهرة أغرى الكثير من أفراد المجتمع على الدخول في عالم المنافسة في احتلال مركز مرموق في منصة التواصل الاجتماعي حتى ولو كان ذلك على حساب الدين والقيم والأخلاق والمبادئ. مبيناً إن مستوى الجرأة وسطحية الفكر والاهتمام هي التي تقود وسائل التواصل الاجتماعي فتجعل من التافهين مشاهير يستضافون في المهرجانات والمناسبات وتتبعهم الأضواء يدشنون المشاريع وتقام لهم الولائم ويجري خلفهم الاتباع طمعاً في صورة (سلفي) تذكارية أو ابتسامة بل اصبحت شركات الدعاية والإعلان توقع معهم عقوداً بأثمان خيالية. وأضاف: تعظم البلية عندما يلتمس بعض هولاء السوقة الشهرة على حساب الدين والخلق والعفة لتظهر لنا بين الفينة والأخرى نماذج مشوهة لا تمثل المجتمع ولا تعكس قيمه ومبادئه، مؤكداً على أننا في الوقت الذي نستصدر فيه قوانين تجرّم تلك الممارسات يجب أن نلتفت للتنشئة للجيل القادم حتى لا يغرق في بحر التواصل الاجتماعي لافتاً إلى أن التدابير القانونية هي أول سياج يحمي المجتمع من خطر هؤلاء حيث تسري عدواهم كالنار في الهشيم، موضحاً بأنه يفترض أن الأسرة تقوم بدور فاعل في التنشئة الاجتماعية وتربية الأبناء ووقايتهم من الانجراف وراء سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي وتحميهم من إدمانها أو إساءة استعمالها وذلك من خلال تمثل القدوة الحسنة في تعاطينا مع وسائل التواصل الاجتماعي كماً وكيفاً ونوجههم نحو الاستخدام الأمثل لها وغرس قيم المراقبة والخوف من الله وتعميق ذلك في نفوسهم وتأكيده دائماً وتنمية الرقابة الذاتية والانتقاء لما يكتبونه ويشاهدونه وينشرونه. صناعة الحمقى وفي السياق ذاته بين د. محمد الشريم - مستشار أسري - أن الجماهير بطبيعتها تميل للغريب والمثير، ولذلك نجد كثيرين ممن قدموا تميزاً إيجابياً في مواقع التواصل الاجتماعي بعيدين عن الشهرة والمتابعة الجماهيرية في الوقت الذي يحظى السفهاء والمتهورون بجماهيرية ساحقة، مضيفاً: ربما اغتر بعض هؤلاء بكون الجهات الرسمية لم تبادر بعقوبات صارمة منذ البداية، بل حرصت على التوعية والتحذير المتدرج من التجاوزات أو الجرائم الإليكترونية، ومع تزايد أعداد المتنافسين على الجماهيرية، أقدم بعضهم على تصرفات تافهة، وأحياناً سفيهة، وربما بعضها وصل درجة الحماقة ولاسيما ما كان فيه تطاول على الدين، أوعلى الثوابت الوطنية والاجتماعية التي لا يرضى العقلاء بالتعرض لها بهذا الشكل. وقال: أحياناً يكون إدمان التواصل مع جمهور المتابعين سبباً في إقدام الشخص على التجاوز رغبة في البقاء مشهوراً لديهم، ومثار جدل في وسائل التواصل الاجتماعي، مما يمنحه قدراً من الرضا عن الذات، وإن كان نتيجة سلبية لسلوكيات مرفوضة، أما المشاهير الذين بنوا شهرتهم وسمعتهم بصعوبة وجد واجتهاد، فلم يقدموا على مثل هذه التصرفات لأنها وإن زادت شهرتهم، إلا أنها ستسقطهم وتفسد ما قاموا ببنائه ونظرا لأن ما لديهم قيم ومتميز، فإنهم يخشون عليه، بينما الذين ليس لديهم إلا التوافه، فلا يبالون بقيمة ما يقدمون، مادامت تجعلهم حديث الناس، مشيراً إلى أن بعض الناس قد يستهين بمثل هذه المقاطع، ويقول إنها فقط للضحك و"الطقطقة" كما يقولون، لكنها للأسف تؤثر في كثير من الأحيان دون أن نشعر، وخصوصاً على الأطفال والمراهقين ولعل بعض المقاطع التي صورها بعض الصغار وفيها شيء من التهور أو التجاوزات الأخلاقية يعطي مؤشراً مهماً على تأثير مشاهدة تلك المقاطع عليهم، وهناك أيضاً دور توعوي للوالدين يوضح الآثار الخطيرة لبعض المقاطع، وخصوصاً ما فيها تجاوز على الدين في المقام الأول، ثم ما يمس أمن البلد واحترامها، أو حقوق الناس الآخرين وعدم التهجم على شخصياتهم بتشويه سمعتهم أو النيل من أعراضهم، ولعل التحذير يؤكد على العقوبات التي أعدتها الجهات الأمنية المسؤولة لمن يتجاوز في هذه الأمور، يبقى في الأخير دور المجتمع، فهو مع الأسف من يصنع من الحمقى مشاهير، وذلك بمتابعتهم والتفاعل مع مشاركاتهم، وربما تشجيعهم بعضنا يعتقد أنه لا يشارك في هذا الأمر حينما يصله مقطع على الوتساب مثلا فيه شيء من هذه التجاوزات، ثم يقوم بإرساله لكل من هو موجود في قائمة المستقبلين في جهازه وينسى أنه بذلك يعرف الناس بهذا النكرة ويسهم في جعله مشهورا. جرائم معلوماتية من جانبه أوضح د. عبدالعزير الشبرمي – محام وقاضٍ سابق - أن تلك الاطروحات تصنف بأنها جرائم معلوماتية وجرائم نشر إلكتروني في حال كانت التقنية الإلكترونية هي الأداة لنشرها وهذا مجرم في الفقرة الأولى من المادة السادسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ونصها يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلُّ شخص يرتكب أيًّا من الجرائم المعلوماتية كإنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، او القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية ، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي، اضافة الى إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره، للاتجار في الجنس البشري، أو تسهيل التعامل به، مشددا على أهمية الحد من هذه القضايا وذلك ببث الوعي الديني والوطني والأخلاقي عبر وسائل الإعلام ومناهج التربية وخطبة الجمعة وكذلك المنافسة القوية في مواقع الواصل الاجتماعي وصناعة العديد من الوسائط التي تربي النشء على احترام الدين وتقديس الذات الإلهية واحترام مقام النبوة والعبادات والشعائر ومراعاة القيم والمبادئ الفاضلة، ومن جهة أخرى الأخذ بالحزم والصرامة ضد كل من يستغل هذه التقنية الجديدة والمنتشرة في كل بيت ومع كل طفل وشاب وفتاة. ثقافة الاستهلاك والتقليد وتطرق د. أسعد صبر - استشاري الطب النفسي والإدمان - إلى بعض الاسباب المؤثرة بصورة كبيرة في الجوانب الشخصية والنفسية لبعض الشباب و المراهقين من الجنسين والتي دفعتهم إلى التصوير بطريقه مبتذله فيها تهكم على مايحدث بالمجتمع ودون احترام للعادات والتقاليد، وقال تربى بعض أبنائنا من الصغر على عدم تحمل المسؤولية ولم يعد لديهم اهتمام بما يصوروا وينشروا في وسائل التواصل الاجتماعي حتى وأن كان ذلك خارج أطار الأدب والذوق العام، وننظر لهذه المسألة من ثلاثة جوانب رئيسية أهمها شيوع ثقافة الاستهلاك والتقليد لكل مايعرض عليهم من أفكار وأعمال يفعلها الشباب في المجتمعات الأخرى إذ للأسف عندما يرونها يقوموا بالتشبع بكل مافيها وتقليدها ومجاراتها اعتقاداً منهم أن فعل هذه الأمور ستكسبهم الشهرة والعوائد المادية العالية وكل ذلك دون التفكير في عواقب استهلاك هذه الفكرة وتقليدها وبدون التفكير في أن ينتج شيئاً مختلفاً عن ما أنتجه غيره وأن لا يقلد الفكرة كما هي.. كما أوضح أن العيش بفوضوية يعد أحد العوامل الرئيسية المؤثرة إذ إن تربيهم على الفوضى وعدم احترام النظام في الحياة اليومية والتعاملات بين الناس يتأصل في نفوسهم مبكراً بأن الفوضى هي الأصل في الحياة وبناء عليه لا يصبح لديه رادع لأي شيء وبالتالي يستطيع ان يفعل أي أمر بطريقه فوضوية كأن يصور أي مقطع ويتكلم سلباً عن اي شخص ودون تفكير بعواقب الامور أو يحسب حساب لتبعات تصرفاته، كما أن عامل الفراغ مؤثر للغاية سواء كان الفراغ النفسي أو الفراغ العاطفي أو فراغ الوقت. وأضاف عندما يكون الشاب او المراهق لديه فراغ من الناحية العاطفية يشعر بعدم الأمان أو فقدان الحنان وفقدان الدعم الاجتماعي والأسري وفقدان الدور الأسري وغياب القدوة كل ذلك يجعله يبحث عن إثبات وجوده وانه محبوب من الاخرين، وعن مواجهة تلك القضية أفاد د. أسعد أن حل المشكلة لا يكون بوجود عواقب رادعة وإنما بوجود برامج تعالج كل مالدى الشباب والمراهقين من امور تدفعهم الى فعل ذلك بناء على النقص الموجود لديهم مع التركيز على فئة الأطفال لأن ما يزرع فيهم اليوم سنراه لاحقاً في مراحل المراهقة والشباب. شعار لحملة في أوروبا تدعو للتوقف عن جعل الأغبياء مشاهير ننتظر قوانين صارمة تحمي المجتمع من سفهاء مواقع التواصل المجتمع يتحمل مسؤولية صنع المشاهير والترويج لهم