يخلط كثيرون بين مفهومي الشهرة والشعبية فليس لكل صاحب شهرة شعبية لأن متطلباتهما تختلف. الشهرة لا يلزم أن تعبر عن شعبية حقيقية لهذه الشخصية أو تلك فتجعل الجمهور يحترمه ويشعر بمصداقيته. يمكن أن تتحقق الشهرة بأسباب كثيرة، وربما تكون تافهة جدا كشهرة مؤقتة في فترة محددة، بمساعدة التكنولوجيا الحديثة في وسائل الإعلام التي فرضت إعادة التفكير في هذا المفهوم. كثرة الخروج على الشاشة في البرامج التلفزيونية يحقق قدرا من الشهرة، ويسهل تقديرها رقميا وفقا لنوعية هذه القنوات ومستواها ونوعية القضايا. الشعبية يصعب تقديرها وقياسها بالأرقام ، فهذه تتطلب أدوات أخرى ليست تقنية..على طريقة الأكثر متابعة والأكثر مشاهدة. ولهذا تتورط بعض الدراسات بأرقام خادعة وإحصاءات ليس لها معنى عن مجتمعنا. في بعض المجالات تختلط الشعبية بالشهرة فتبدو شيئا واحدا، ويصعب التفريق بينهما، كالمشاهير في المجالات الرياضية والفنية لأن هذه الشهرة لا علاقة لها بآراء ومصداقية وسلوكيات هذه الشخصيات، فأهم متطلبات البروز والشهرة هو مستوى الأداء الرياضي والفني. فالرياضي أو الفنان يظل جمهوره معجبا به حتى وإن اختلف معه سلوكيا، فالإعجاب محصور بجوانب محددة. لكن في المجال السياسي فالتفريق بين الشهرة والشعبية مهم فبعض الزعماء يمتلكون شهرة عالمية بسبب تصرفات معينة، لكنها ليست دلالة على شعبية سياسية. الشهرة تستطيع الأنظمة والمؤسسات صناعتها بسهولة ببعض الإمكانيات، وفي عالم اليوم حتى الفرد العادي بأدوات الإعلام الجديد. لكن تحقيق الشعبية في المجال السياسي والديني والثقافي له شروط خاصة لا تستطيع الأنظمة بإمكانياتها الضخمة تحقيقها ونفخها في الرموز الذين تريد تصديرهم في المجتمع. المناصب الرسمية الكبيرة تحقق الشهرة سريعا لكن من النادر أن تحقق شعبية. في هذه المجالات تعتمد الشعبية على مقومات كثيرة فبعد الإمكانيات الفردية تأتي مسألة المصداقية التي لا يمكن تحقيقها دون أن تملك هذه الشخصيات قدرا من الاستقلالية في الرأي والتعبير بصورة مختلفة أحيانا عن الإطار الرسمي. شعبية العالم الشرعي والمثقف والكاتب يصعب صناعتها بأدوات من خارج خطابه ومنهجه الفكري. ربما تتأخر شهرتهم لكنهم يحافظون على استقلالية خاصة يبدو تأثيرها في بعض الأزمات السياسية ويصبح رأيها مؤثرا في توجيه الرأي العام . هذه المصداقية لا تتحقق إلا بمجموعة من الاختبارات والأحداث تكشف مدى محافظة هؤلاء على الأخلاقيات والآداب والقوانين الخاصة بمجالهم. من أكثر المؤثرات السلبية في مجتمعاتنا العربية على الشعبية في هذه المجالات هي المناصب الرسمية والارتباط بها بأي درجة. وأفضل طريقة للتأثير على شعبية مشاهير العلماء والدعاة هو عدم فصلهم عن الإطار الرسمي. توفير الاستقلالية التامة لهم تعني شعبية متزايدة بمرور الوقت. هناك الكثير من الأمثلة التي تشير إلى هذه الظاهرة، فبعضهم حقق شهرة وشعبية جارفة في مرحلة استقلاليتهم، وشكل ضغطا كبيرا على الرأي العام، ثم في مرحلة لاحقة مع اقترابهم للرسمية حتى دون مناصب بدأت تخبو هذه الشعبية، ثم عندما ضعفت هذه الرسمية بدأت شعبيتهم تعود بشرط أن لا يكون أحرق نفسه تماما أيام مرحلتهم الرسمية. ولهذا فبعض الشخصيات حتى لو تركت المجال الرسمي فإنها لا تستطيع تحقيق أي شعبية خارجه لأنها أحرقت مصداقيتها تماما في تلك المرحلة. يتباكي المثقف والكاتب التقليدي على الشهرة والشعبية التي يحصل عليها اللاعب والفنان، ويبدأ يتهم المجتمع بالسطحية والجهل وبأنه لا يقدر قيمة العلم والفكر. وهي مقارنة لا معنى لها، فلعبة كرة القدم يفهمها ويتفاعل معها مختلف الأعمار والمستويات، وليست بحاجة إلى تأسيس علمي ومرحلة عمرية. وكذلك الفنان تتفاعل معه مختلف الشرائح والأعمار في المجتمع، بعكس العالم.. بأي مجال فإن فهم ما يقوله والتفاعل معه بحاجة إلى شروط مسبقة لا يمكن لصغار السن ومتوسطي التعليم الوصول لها. ولهذا نجد في المجال الديني أن الواعظ يحقق شهرة ومتابعة مقاربة لأهل الفن والرياضة، ويصبح مطلوبا في الملتقيات الجماهيرية والشبابية، لأن الواعظ تتحقق فيه المواصفات المقاربة للفنان، فيتفاعل معه مختلف الشرائح والأعمار وحتى الأطفال، لأن بعضهم يوجد في خطابه إثارة خاصة من خلال الطرائف والنكت والقصص الغريبة والمنوعات وفقا لمهارة الواعظ وموهبته. وهذا ليس عيبا ولا يقلل من قيمة دوره المهم في التوجيه والإرشاد وإنما لأن طبيعة الوعظ تختلف عن طبيعة الدروس العلمية. وفي مجال الاحتساب الديني أيضا يحصل للناشطين فيه شهرة خاصة لأسماء كثيرة حتى وإن كانت محدودة القدرات الفكرية في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، فالجمهور تثيره المعارك والفضائح المتبادلة والصدامات بين جهة وأخرى، والبحث عن قصص خفية يثيرها هؤلاء الناشطين. هناك شهرة وشعبية خاصة في مجالات معينة يعرفها أهل كل مجال دون أن يعرفها عامة الناس، ويظهر ذلك في المجال التجاري أحيانا، وقد يكون لها تأثير كبير، كما في المجال السياسي الحركي حيث تكون بعض الكوادر السياسية غير معروفة للعامة، لكن آراءها مؤثرة في توجيه حركة تيارات كاملة. وبعض العلماء والمثقفين أيضا يكون لهم دور نخبوي مؤثر على شريحة معينة لكن هذه الشريحة قيادية ومهمة في تغيير الرأي العام والحراك السياسي والفكري. في الإعلام الإلكتروني أصبحت مسألة الأكثر مشاهدة، والأكثر قراءة والأكثر متابعة .. وغيرها مجال تنافسي، له شروط ومعايير فنية يدركها أهل الاختصاص، ويدرك أهل تويتر مثلا الشروط لكثرة المتابعة الذي يتطلب نشاطا يوميا مستمرا ومشاركة فاعلة. في الصحافة يمكن صناعة «الأكثر» بعدة أساليب، بعض الموضوعات لها شعبية خاصة، فبمجرد وجودها في المقالة فإنها ستحوله إلى الأكثر قراءة مباشرة. في غير المجال الرياضي تكسب الموضوعات الخدمية شعبية خاصة، ولهذا يكثر القراء لمقالات يكون فيها إشارة لاسم وزير.. أوالصندوق العقاري، أو الفساد الإداري أو مشكلات المواطن مع الدوائر الحكومية. وهناك عوامل أخرى يتدخل فيها صاحب المادة بطريقة أو بأخرى لتسويق مقالاته من الصباح الباكر.. لتكون الأكثر قراءة. في إحدى الصحف لعدة سنوات لاحظ البعض أن أحدهم دائما تكون مقالاته الأكثر قراءة والأكثر طباعة.. مع أنها مثال مناسب على الأكثر خداعا في توجيه التقنية!