علينا شهر التوبة والعتق من النيران.. شهر التسامح والغفران، فللجميع، بلا استثناء، أقول كل عام وأنتم بخير، أعاده الله عليكم بالخيرات، وجعلنا من عباده الذين أنعم عليهم بالعتق من النار. ولرمضان في قلبي معزة خاصة جداً، فبجانب أنه شهر عبادة، وشهر القرآن الكريم، فهو الشهر الذي تعلمت فيه كيف أتسامح مع من حولي، كيف أقفز فوق أخطاء الآخرين وأتجاوزها، وألتمس لهم ألف عذر وعذر، قبل أن ألومهم، أو أوجه لهم سهام النقد والهجوم، في هذا الشهر، كنت أتلقى الدورس والعبر من الوالد والوالدة، فعلماني أن الانسان خطاء بطبعه، وأن المؤمن الحق، من يعالج الأمور بحكمة وهدوء، ينم عن عقل ورجاحة فكر، كما تعلمت منهما، ألا أخسر أحداً أخطأ في حقي، وأن أتقبل سلبيات الآخرين بابتسامة، تعين في معالجة الأمور، لا تعقيدها وتأزيمها. ولعل الدرس الرمضاني الأكبر، الذي تعلمته منهما، هو ألا أبخل بعبارة «كل عام وأنت بخير» أوجهها لكل من أقابله، من يعتقد انني عدوه، قبل من يؤمن أنني صديقه. كم هي جميلة، تلك الدروس الرمضانية، وكم هي أكيدة النتائج، في محو الخلافات وسوء التفاهم بين المسلمين، بيد أن هناك من يفهم هذه الدروس بشكلها الخاطئ، ويظن أن عبارة «كل عام وأنت بخير» رسالة ضعف، يبعث بها قائلها إلى المتلقي، خاصة إذا كان هناك خلاف بين الطرفين، وهناك من يظن أن المبادر بالابتسامة في وجه من أخطأ في حقه، تراجع واستسلام، ويتناسى هؤلاء، أو هكذا صورت لهم عقولهم المريضة، أن هذه العبارة أو هذه الابتسامة، عناصر قوة، يمتلكها من تربى على التسامح، ومن جُبل على معالجة الأخطاء بحكمة وتروٍ. إن الكلمة التي تخرج من اللسان، «نار» إن هي أفسدت وخربت وأوقعت بين الأصدقاء أو الجيران أو حتى الدول، وهي نفسها، «نور»، إن خرجت بنفس راضية ومقتنعة أن التسامح قوة، والابتسامة ذكاء، والمبادرة بالصلح، مبدأ إسلامي، يحضنا عليه ديننا، ولو أن لدى من يعتقدون خلاف ذلك، شيئاً من منطق، وقليلا من عقل، لأدركوا أنهم أغبياء، وأدركوا أيضاً أن من يتسامح، ويبادر بالصلح، لن يستمر على هذا المبدأ إلى آخر العمر، خاصة إذا كان الطرف الآخر لا يعقل ولا يستوعب «دروس أبي وأمي». إن العلاقات الانسانية إذا لم تتخللها الرحمة والتسامح، وإذا لم تبتعد عن القراءة الخاطئة لتحليل تصرفات الآخرين، فهي إلى حرب أكيدة، وتكفينا حروب أمتنا العربية والإسلامية في العراق واليمن والسودان وفلسطين، ويا ليت الجميع يعون أهمية رمضان كمحطة في إنهاء الخلافات، وزوال ما بدر عنها، ويعون أكثر أن المبادر بالصلح والابتسامة، هو من ظفر بالثواب، وهو أفضل مائة مرة، ممن تلكأ وانتظر أن تأتيه المبادرات من الآخرين، معتقداً أنه ملاك، لا يخطئ أبداً،.. وكل عام وأنت بألف خير.. بلا حدود.