كانت تقولها بنبرة حادة : فات الآوان لن أقبل هذا الصلح . قلت لها: فإن أتى من يحاول الصلح بينكما قالت بإصرار : لن يحدث أبدا ..انتهى. قد يبدو هذا الحوار صارما لايعطيك أي أمل للتدخل، وتستسلم بسهولة من مبدأ (هي حرة أو هو حر) . وقد يذهب أحدنا بروحه الشفافة ليصلح ويواجه الأمرين من كلا الطرفين ولكنه يصر على الصلح بكل مايملك من قوى الخير في قلبه. وإن كنت من هؤلاء الذين اتخذوا السبيل الثاني ، فهل سألت نفسك إن كنت الشخص المناسب للإصلاح! وهل اتخذت كل السبل الصحيحة لتحقيق مآربك الطيبة في الجمع بين قلبين خشنتهما الخصومة والعداوة ! سؤال ليس بالسهل أبدا إذ أن الشخص المصلح عادة مايتجه لهدفه بنية صافية ونفس كريمة دون أن يفكر هل يصلح لهذه المهمة أم لا. وإن حاورت أغلب الناس فستجد الكثير (خصوصا هذه الأيام) يقول : ومالك أنت ووجع الرأس ، هو يعرف مصلحته جيدا ،دعك منه ، اللي يشيل قربة مخروقة تسكب مافيها فوق رأسه، ...الخ من العبارات التي يتبناها البعض بحجة أنه لايمكن التدخل بين إثنين إلا واحترق بنارهما . وهذا صحيح في أحيان كثيرة لكن قبول هذا المبدأ في زمن نحتاج فيه لتعود الأمة التي رباها الرسول صلى الله عليه وسلم بنهجه الأصيل ، يعني أن على الدنيا السلام . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة) "أي درجة الصيام النافلة وصدقة نافلة والصلاة النافلة" ، فقال أبو الدرداء : قلنا بلى يا رسول الله ، قال : "اصلاح ذات البين" فكم من بيت يتهدم وأولاد يتشردون وأخوة يتباغضون وأقارب يتنازعون وأصدقاء يتحاربون بسبب تلك النفس الأمارة بالسوء التي يزين لها الشيطان التعالي على الحق فيضللها إلى إن يقيض الله لها هذا المصلح بروحه التي تشتاق للخير ولاتنوء بحمل مهماته مهما كانت شاقة . لكن من المهم أن يعلم هذا الشخص ان مهمته ليست سهلة فقد يتهمه الآخرون بالسفه والجنون ، وقد يقذفونه بالكلام الجارح فيسقط على قلبه كالحجارة وهو لم يقصد إلا خيرا فليكن هذا دافعا للاستمرار لا للتخاذل قال أنس رضي الله عنه (من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة) وقال الأوزاعي : ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة من اصلاح ذات البين ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار فإن كنت عزيزي المصلح عازما على الاصلاح لامحالة فهناك شروط مهمة تساعدك على تحقيق هدفك: * الانصات الواعي لكلا الطرفين المتخاصمين حتى تعرف جيدا أساس المشكلة فتكون حلولك لها منطقية ومقبولة وقدرتك على الاقناع أكبر. * اختيار الوقت الملائم له دور كبير في تقبل الكلمة الطيبة التي تأتي كالماء البارد على القلب فلا تأتي والنزاع في أوجه وتبادر بالصلح فلن تكون تربة صالحة لحل أي خلاف. * اختيار الاسلوب المناسب لعمر كلا المتخاصمين فالشاب يختلف عن المتقدم في العمر و لكل منهما درجة في تقبل النصح. * ليكن حديثك عذبا ، لبقا ، يمس كل جوانب المشكلة بهدوء ولطف فأنت لاتحاول الصلح حتى تثبت للآخر أنه على خطأ بل لتقول له كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم "وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً" * كن مراقبا صبورا لعملك فلابد أن تعلم ان الخلاف يوغر الصدور ، ويملؤها بالغضب والحقد وكلها مشاعر طبيعية قد تنتاب أيا منا فلسنا ملائكة لكن الأهم أن تعطي فرصة كافية لجميع الاطراف لابتلاع الألم والتنفيس عنه. * من المهم أن تكون على علاقة جيدة ومتفاهمة مع كلا الطرفين حتى يسهل قبولك كحكم وإلا سيكون العناد لشخصك أكثر منه للقضية ذاتها. واحذر من التحيز بعواطفك لأحدهما فإنك بذلك تزيد النار حطبا. * أجاز الإسلام أيضاً الكذب للإصلاح بين أهل الخصومة فقال عليه الصلاة والسلام "ليس الكذّّاب الذي يصلح بين الناس ويقول وينمي خيرا". * ليكن صلحك مبنياً على علم شرعي وحبذا أن تشاور العلماء في ذلك وأن تدرس القضية من جميع جوانبها وأن تسمع كلام كل واحد منهما .. * كثير من الناس يتوقفون عن إكمال المهمة في منتصفها بسبب بعض مايلقى عليهم من اتهامات بالتدخل ، أو السعي فيما لايعنيهم وهذا طبيعي فالنفس الكريمة الطيبة التي تسعى إلى الاصلاح نفس شفافة حساسة وهنا لابد من التأكد بأنك إذا بدأت مهمة لاتتوقف إلا بعد إنجازها فإن لم تنجزها فلا يعني هذا انك أخفقت بل تذكر ان إرادة الله فوق كل شيء حينها يمكنك القول انك قد فعلت مابوسعك فإنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. قال تعالى "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم". لؤلؤة: "اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه".