يمثل الشيخ عبد الله بن حمود الطريقي، أول وزير للنفط في المملكة العربية السعودية، ظاهرة فريدة ومتميزة ومثيرة، لا على مستوى الوطن فحسب، بل على مستوى الوطن العربي أجمع، بما حققه من سمعة وصيت في مجال صناعة النفط العربي، حيث يعد من طلائع خبراء النفط العربي، ومن أوائلهم، إن لم يكن الأول، في التخصص الدقيق في مجال النفط والحصول على شهادة عالية في هذا المجال ومن جامعة أميركية عريقة، وتبدأ الإثارة في حياة الطريقي منذ نعومة أظفاره وفي يفاعته ومرحلة شبابه، ثم في معترك حياته الوظيفية، حينما بدأ التحاور مع شركة أرامكو، ثم في بزوغ نجمه على مستوى الوطن العربي بعد تصريحاته المثيرة التي دأب على إطلاقها في مؤتمرات النفط العربي، ثم في تخطيطه وتنسيقه من أجل إنشاء كيان يجمع الدول المنتجة للنفط لمواجهة احتكارات الشركات العاملة في حقول النفط، لا العربي فحسب، بل العالمي، وبعد أن أختير وزيراً للبترول زادت إثارته، وحينما أعفي من منصبه كوزير بلغت الإثارة لديه ذروتها، إذ تخلص من أعباء الوظيفة وتحرر من مسؤولياتها، ليكون المجال مفتوحاً أمامه لطرح آرائه في مجال النفط والشركات العاملة في المنطقة العربية، من خلال مقالاته وأبحاثه ومشاركاته في مؤتمرات النفط، العربية والدولية، ولم تنته الإثارة حتى بعد أن ووري الثرى، ذلك أنه طرح وحمل على عاتقه رسالة، عمل من أجلها وكافح، وضحى في سبيلها بمنصب وزاري مهم في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم»! البداية في الزلفي في شمال هضبة نجد السعودية, حيث يٌطاطىء جبل طويق الشهير هامته, لتعلوه رمال الثويرات وقد عرف ذلك الموضع باسم "جرزة" لانجزار الجبل , وعناقه مع الرمل، وتغنى كثير من شعراء العرب بهذا الموضع منهم جرير : يا أهل جزرة لا مال فيكم أو تنتهون فيُنجي الخائفَ الحذرُ يا أهل جزرة إني قد نصبتُ لكم بالمنجنيقِ ولما يُرسلُ الحجرُ في هذا المشهد الجغرافي ولد عبد الله بن حمود الطريقي وتعود أسرته إلى فخذ الولامين من الوداعين من قبيلة الدواسر التي تعود بنسبها إلى قبيلة الأزد القحطانية، وقد قدم الجد الأعلى للاسره من وادي الدواسر واستوطن في الزلفي قبل أكثر من قرنين. ووالد عبد الله الطريقي هو حمود بن عبد الرحمن الطريقي كان يمارس كغيره من أبناء جيله الفلاحة شّب حمود على النشاط وزادت همته من أجل كسب العيش فقرر أن يتاجر بين الكويت ونجد. وقد اعتاد أهالي الزلفي على المتاجرة في الكويت، وخير وصف لأهل الزلفي ماكتبه عبد الله بن خميس عنهم : "إن أهل الزلفي أهل شد ومد يطلبون أرزاقهم على أكوار المطي .." ودلالة على جسارة أهل الزلفي وتعودهم على السفر درج المثل النجدي " ما أدري أروح للسبلة أو الكويت " وقصته أن رجلا خرج من منزله وسألته زوجته إلى اين أنت ذاهب؟ فأجاب : ما أدري إما السبلة أو الكويت، والسبلة روضة قريبة تقع على بعد 20 كيلو مترا من الزلفي، بينما الكويت تبعد 500 كيلو. وكما كانت الكويت وجهة أهالي الزلفي كانت بغداد والشام وجهة أهل القصيم وكانت وجهة أهل سدير الزبير . ومع اختلاط أهل الزلفي بأهل الكويت والرافدين والهند ومصر أحياناً إلا أن هذا الاحتكاك أثر في الناحية الاقتصادية فقط ولم يؤثر على عادات ولهجة وتقاليد أهل الزلفي ومع ذلك عانى كثير من شبابهم ازدواجية الشخصية بين ما يراه هناك وما يفعله في بلاده، وعرف عن والد الطريقي حمود عند أهل الزلفي بتأثره بأهل نجد والزبير من حيث الهندام ولبس العقال والسديرية فأطلقوا عليه لقب "الزكرتي" وكمواكبة لما حوله انخرط حمود في التجارة بحثاً عن مصدر أوفر للرزق وهذا ما تحقق له، فاغناه الله بالمال، لكنه لم يرزق الولد رغم كبر سنه، وأخيرا في إحدى رحلاته للكويت تزوج هناك كويتية ورزقه الله ولدين هما محمد وناصر . وأثناء تنقل حمود بين نجد والكويت نمت الى سمعه أخبار الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله الذي استرد حكم الرياض عام 1902م، وكان لهذا الحدث أثره السياسي والفكري والاقتصادي على أهالي نجد فازدهرت التجارة وانتعشت بين نجد والكويت. في عام 1913م وقع حدث تاريخي وهو انضمام الإحساء إلى نفوذ الملك عبد العزيز يرحمه الله ونتج عن هذا الفتح ظهور الطريق التجاري الجديد الذي يربط الإحساء بالرياض، وبما أن انضمام الإحساء لعبد العزيز تلته عدة معارك كان الملك بحاجة إلى رجال أشداء أقوياء لنقل المؤن والعتاد إلى أرض المعركة ، لذلك تشكل ما يسمى" الجماميل " وكان لأهالي الزلفي النصيب الأكبر في تشكيل جماميل درب الاحساء، وانضم حمود الطريقي للجمالة واستمرت الجمال تنقل العتاد 40 عاما حتى ظهرت السيارات في البلاد. في إحدى زيارات الطريقي للزلفي تزوج لولوة العبد الكريم التي أنجبت له عبد الله الطريقي عام 1918م، لكن والد عبد الله انفصل عن أمه وتزوجت رجلا آخر فتربى الطريقى على يد مرضعته حصة الحبيشي وجدته لأمه التي اهتمت به وألحقته بالجامع الكبير ليتعلم القرآن الكريم على يد مطوع الزلفي الشهير محمد بن عمر وكان الطريقي طالبا ذكيا وفطنا، وقضى الطريقي شطرا من طفولته في الزلفي، لكن حين يضيق العيش فيها تتجه الأنظار إلى الكويت، فاتجه الطريقي كبقية شباب الزلفي للكويت وهناك حيث كانت المدارس النظامية بدلاً من الكتاتيب التحق الطريقي بالمدرسة الأحمدية ودرس الابتدائية عام 1924م فعرف بجانب أمور دينه القراءة والحساب واللغة الانجليزية.
الطريق إلى مصر وبعد أن أمضى الطريقي عدة سنوات في الكويت غادرها مع أخيه محمد الى الهند عام 1928م وعمل لدى شيخ التجار العرب عبد الله الفوزان ومن خلال عمله تعلم الحساب واللغة الإنجليزية، وقد اكتشف الفوزان ذكاء الطريقي فأوصاه بأن يحرص على العلم . عاد الطريقي من الهند الى الكويت ومن الكويت جاء إلى بلاده وبعد عودته قرر السفر إلى القاهرة لمواصلة الدراسة واختلفت الروايات منها ما يذكر انه ذهب تبعاً للبعثة والبعض يؤكد انه ذهب من تلقاء نفسه، بعد ذلك انضم للبعثة حيث اكتشف فيه الملك عبد العزيز عبقرية مبكرة. وفي مصر التحق الطريقي بالمدرسة الابتدائية بحلوان وحصل على المركز الثاني على مستوى مصر في اختبارات المرحلة الابتدائية. بعد اجتياز الابتدائية التحق بثانوية حلوان وأمضى خمس سنوات وتخرج فيها عام 1938 م وكان أثناء دراسته شعلة من النشاط يهتم بالنشاط اللاصفي وإعداد الصحف الحائطية، وفي العام الذي تخرج فيه الطريقي في ثانوية حلوان أصدرت المدرسة مجلة كتب فيها الطريقي مقالا بعنوان " ابن سعود .. الرجل الذي أيقظ شعباً من سباته وشيّد صرح دولة "ومن أهم ما جاء في المقال كذلك عتب الطريقي على الأخوة العرب ونظرتهم لسكان الجزيرة فكتب يقول : " يؤلمني أن أرى كثيراً من إخواني المصريين قد جهلوا عقيدتنا, نحن النجديين, وقالوا: إننا ندين بمذهب ابتكرناه لأنفسنا, والحقيقة التي لا مراء فيها أننا نحن النجديين على مذهب الإمام ابن حنبل, وأن الوهابية ليست مذهباً وإنما سمينا وهابيين, لأن أحد كبار علمائنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي ظهر من قبل 100 سنة خلت, فوجد أننا قد اتخذنا من البدع ما ليس من الدين في شيء, فأخذ ينشر الدعوة للتمسك بالقرآن الكريم والسنة على مذهب الإمام حنبل، ويسألني البعض عن التوسل وكيف أننا هدمنا القبور حين دخولنا الحجاز ؟ فأقول : إننا لم نهدم القبور، بل هدمنا قباباً لا تفيد ". بعد تخرج الطريقي في ثانوية حلوان عاد إلى مكة المكرمة , ويبدو أن الطريقي اطلع وقرأ كتابات عدد من دعاة الوحدة العربية , وتأثر بما كانوا يكتبونه حيال قيام الدولة العربية الواحدة , أمثال الكاتب اللبناني نجيب عازوري، وفي مكة المكرمة أجرى الطريقي امتحان قبول البعثة في مدرسة تحضير البعثات وقرر الالتحاق بجامعة الملك فؤاد التي تعد من أعرق الجامعات والتحق بكلية العلوم في الجامعة تخصص كيمياء وجيولوجي، وفي كلية العلوم واصل الطريقي نشاطه اللاصفي خاصة إعداد مقالات الصحف الحائطية التي كان يوقعها باسم "أبو صخر" . البعثة إلى أمريكا وفي عام 1944م تخرج الطريقي في الجامعة وعاد إلى المملكة وعمل فيها سنتين في وزارة المالية، وبسبب تفوق الطريقي وتميزه وجه الملك عبد العزيز بابتعاث اثنين من الذين كانوا يدرسون في مصر إلى الولايات المتحدة للتخصص في دراسة النفط وهما الطريقي ومهنا بن معيبد. حل الطريقي في مدينة أوستن بولاية تكساس وكان أول طالب سعودي يلتحق بجامعة أتاوا، وأمضى الطريقي 18 شهراً في دراسة الماجستير , ثم قدم رسالة الماجستير المعنونة ب "جيولوجيا المملكة العربية السعودية " وفي هذه المرحلة أهم ما يُذكر إعجاب الطريقي بالحياة الغربية من حيث النظام والاهتمام بالوقت الذي جاء متناسباً مع ليبراليته الاجتماعية وتحرريته التي عُرف بها جعله يتزوج فتاة أمريكية أثناء وجوده هناك وأنجب منها ابنه البكر "صخر" لكن رغم هذا الإعجاب في الغرب لم يكن الطريقي أسيرا لذلك المجتمع ولم يتخل عن عروبته وقيمه الأصيلة، وحياة الطريقي في الغرب جعلته يواجه الأمريكيين فيما بعد ويجادلهم ويخاصمهم عن وعي وإدراك بطبائعهم. رحلته مع النفط وفي عام 1948م عاد الطريقي للمملكة حاملاً شهادته الجامعية، وكان النفط قد سال دافقاً في المنطقة الشرقية وحدثت تحولات جذرية في المجتمع السعودي ، إذ بدأت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا التنقيب عن البترول في الأراضي السعودية منذ أن وقعت معها السعودية أول اتفاقية في تاريخ النفط السعودي عام 1933 م وقعها الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية من الجانب السعودي والسيد لويد هاملتون من قبل الشركة، وهنا عاد الطريقي رجلاً يفهم في الجيولوجيا والهندسة وعاد في العام نفسه الذي أسس فيه أكبر شركة بترول جماعية سميت ( أرامكو)، وفي نفس العام أيضا وقعت حرب 48م , أول الحروب العربية الإسرائيلية, فكان ذلك إيذانا بعلاقة معقدة بين البترول والسياسة. عاد الطريقي وعمل في وزارة المالية كموظف مسئول عن مكتب مراقبة حسابات الحكومة على الدخل النفطي من شركة أرامكو في الظهران، وبهذا العمل بدأ الطريقي رحلته في مجال الصناعة النفطية، بعد ذلك ترقى الطريقي ليكون مديراً عاماً لشؤون الزيت والمعادن، وبعد عمل الطريقي بدأت تتكشف له بعض الأمور عن الشركة البترولية العاملة في البلاد، حيث كانت أرامكو وقت ذاك تضخ البترول من الحقول السهلة والرخيصة دون أن يكون لها سياسة طويلة الأمد لموازنة استنفاد الحقول, وعملت على إحراق الغاز الطبيعي الذي يصاحب عادةً عمليات استخراج البترول مسببّة إهداره في الوقت الذي كان فيه الطريقي يرى أن هذا الغاز هو ثروة طبيعية ثمينة من الواجب استثمارها، وكانت تقتسم الأرباح مع المملكة وكان التقسيم بعد احتساب المصاريف وجاءت المسألة التي شكلت خطراً وهي نسبة الخفض التي كانت أرامكو تمنحها للشركات الأم التي تصل إلى 18 بالمائة غير أن الطريقي اكتشف نتيجة للحسابات التي أجراها أن أرامكو تخفض حصة حكومته من أرباح السوق الحقيقية من المناصفة (50 -50) إلى ( 68- 32 ) لصالح الأمريكان , لذلك كرس الطريقي جهوده لاسترداد ما تتمتع به أرامكو كان يطمح للحصول على مشاركة الحكومة في كل مرحلة من مراحل إنتاج البترول وتسويقه وكان شعاره "من البئر إلى السيارة". تأسيس أوبك وتعتبر أهم انجازات الطريقي مشاركته الايجابية في تأسيس منظمة الأوبك، حيث أدرك انه لابد من إيجاد كيان يحمي الدول المنتجة التي تعتبر دولاً نامية من الدول المستهلكة التي تعد دول صناعية كبرى تشاركهم شركاتهم المنتجة للنفط وكانت الشركات العالمية والدول الكبرى تستغل تباعد الدول المصدرة وعدم معرفتهم الأحوال السائدة فكانت تهدد بزيادة الإنتاج وانقاصه كلما طالبت احدى الدول المصدرة بتحسين عوائدها من ثرواتها البترولية ! وكانت فنزويلا أول من اتخذ خطوات لتوحيد وتنسيق مواقف الدول المنتجة، إذ أرسلت عام 1949 وفدا زار إيران والعراق والكويت. في عام 1951 حضر الطريقي مؤتمرا نظمته فنزويلا ودعت إليه رجال البترول العرب والايرانيين فبحث الطريقي مع عدد من المسئولين موضوع توحيد وتنسيق مواقف الدول المنتجة، لكن فنزويلا لم يكن لديها الحماسة مثل عام 1949م، حيث كان الحكم دكتاتورياً بعد حكومة الانقلاب الذي أطاح بالحكومة المنتخبة، بعد ذلك انعقد المؤتمر العربي الأول للنفط في القاهرة عام 1959م ودعيت فنزويلا برئاسة وزير النفط بابلو ألفونسو وكان الجميع متذمرا وغاضبا من القيود على النفط والحصص الأمريكية الجديدة، وفي المؤتمر كانت هناك صحفية امريكية نشطة اسمها واندا جابلونسكي وكانت واندا تعرف الطريقي وحدته تجاه شركات النفط فنسقت بين الطريقي ووزير النفط لقاءً وجرت المحادثات بسرية تامة وصاغوا ما عرف باتفاقية "السادة" ، وتعتبر هذه المحادثات والاتفاقية حجر الأساس في تغير القوى المحركة للنفط ، وبعد هذا المؤتمر أصدرت الدول المصدرة قرارا يدعو الشركات المنتجة للنفط الى عدم تغيير أسعار مبيعاتها دون التشاور مع الحكومات المعنية, لكن الشركات لم تأخذ الأمر جدياً واستخفت بقرارات المؤتمر فأقدمت عام 1960م على خفض أسعار بترول الخليج العربي، نتيجة لهذا الخفض بعث الطريقي برقية الى زميله الفنزويلي الذي رد بأن فنزويلا تؤيد موقف المنتجين في الشرق الأوسط ولن توافق على خفض أسعار صادراتها، وفي الوقت نفسه تلقى الطريقي من الشيخ جابر الأحمد وزير المالية الكويتي برقية تطالب بتوحيد مواقف الحكومات المنتجة، بعد ذلك ذهب الطريقي لبيروت في زيارة استغرقت يوما واحدا ثم ذهب الى بغداد لمناقشة العراقيين في الموضوع وكان يريد ومعه الفونسو ان يجمعوا الموقعين على اتفاقية "السادة" مرة أخرى غير أن العراق التي لم ترغب في السير في هذا الاتجاه عارضت وبشدة نفوذ عبد الناصر على سياسة النفط ودعت الى عقد المؤتمر في بغداد فوجهت الدعوة للمملكة والكويت وايران وفنزويلا وقطر التي حضرت كمراقب فقط فتم الاجتماع في بغداد في ايلول عام 1960م فتمت الموافقة على إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط المعروفة باسم " أوبك " طريق الوزارة وبعد النجاحات التي حققها الطريقي, كانت جهوده محل تقدير الدولة وإعجاب المسئولين فتوجوا جهوده بتعيينه وزيراً للبترول والثروة المعدنية كأول وزير يتولى حقيبة وزارة البترول في ديسمبر 1960 م، وخلال تولي الطريقي هذه الوزارة أكمل مسيرته لتحسين أوضاع الدول المنتجة وحمايتها من شركات النفط التي كانت تستغل جهل الدول النامية، وأهم الجهود التي قام بها : استرد خلال ترؤسه أرامكو - حينما كانت مجمع من الشركات الأمريكية - نصف ميزانية الدولة وعمل على إلغاء الامتيازات وزيادة حصة الدولة فيها. أرسى قواعد المحاصصة واشراك الجانب الوطني في العمل البترولي الذي كان سببا في إثراء الدولة. حينما كان مستشارا لدولة الكويت جنبهم التوقيع على تنفيق الاتاوات في اتفاقيات النفط ما كان له أثر بالغ في الاقتصاد الكويتي. له عدة مؤلفات ومقالات وأوراق مجموعة في كتاب "عبد الله الطريقي الاعمال الكاملة". أحد مؤسسي مركز دراسات الوحدة العربية. حرم حرق أي غاز كان يخرج مع الزيت فإما يُصنع أو يرسل إلى باطن الأرض مرة أخرى . كما حرص على الكتابة ونشر الوعي بين الناس بخصوص النفط وأهميته فأسس مجلة "أخبار البترول والمعادن". في هذه المرحلة كانت هناك اتهامات توجه للطريقي وهو محبته للعرب العاملين في الوزارة وإعطاؤهم المناصب الكبيرة، ويرد الطريقي على مثل هذه الاتهامات بأنه في حالة تعذر وجود الكفاءات الوطنية فاستخدام الكفاءات الأجنبية في هذه الحالة واجب تحتمه الضرورة والغيرة على المصلحة الوطنية. مها جنبلاط بعد تركه العمل وزيرا للبترول قرر الطريقي طواعية البقاء خارج المملكة ليعيش في بيروت وهنا بدأت مرحلة جديدة في حياة الطريقي فتفرغ للكتابة والنشر في شؤون النفط، حيث أسس مكتباً لتقديم الاستشارات والخبرة لوزارات النفط العربية وشركات النفط الوطنية، وهكذا أصبح مستشاراً لعدد من شركات النفط العربية ولبعض الحكومات مثل لبنان وسوريا والأردن والعراق والكويت وأبوظبي واليمن ومصر وليبيا والجزائر، ورغم ان للقاهرة مكانة كبرى في قلب الطريقي، وقد عاش فيها شبابه ودرس الثانوية والجامعة ولديه شقة هناك، إلا انه اختار بيروت بدلاً منها، وفي بيروت تزوج الطريقي مها جنبلاط التي تعرف عليها بعد عملها معه كمترجمة في مكتب بيروت وهي أرملة صديقه فؤاد نجار ومن بيت ال جنبلاط الذين تربطهم علاقة قوية بالطريقي خاصة بفريد جنبلاط, بالاضافة الى إعجاب الطريقي بأحد رموز عائلة جنبلاط وهو كمال جنبلاط، لكن في عام 1970م ترك الطريقي بيروت واتجه للقاهرة بسبب ضغوطات مُورست على السلطات اللبنانية لاخراج الطريقي من بيروت بعد هجومه على شركات النفط العالمية، وقد هاجمته الصحف الغربية واتهمته بالشيوعية وأطلقت عليه لقب " الشيخ الأحمر " وفي القاهرة افتتح مكتبا للاستشارات النفطية، إلا ان الطريقي لم يرتح لوضعه في القاهرة لسوء خدمات طباعة مجلته وبعد حرب 73 م ترك الطريقي القاهرة واتجه للكويت وارتاح هناك كثيراً ، حيث كان بالقرب من أبناء اخيه، وأعاد افتتاح مكتبه ليقوم بنفس الأعمال والنشاطات. ومن الانجازات المهمة للطريقي خلال وجوده في الكويت المشاركة في تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، وكان عضواً مؤسساً في مجلس أمنائه حتى وفاته. العودة والنهاية وفي عام 1980م في عهد الملك خالد تلقى الطريقي رسالة رسمية من الدولة بضرورة عودته للمملكة وكان سعيد بهذه العودة وأهداه الملك فهد بيتا، وقد أسس مكتبا واستمر في عمله ونشاطه. وفي عام 1983م ذهب الطريقي لمدينة أوستن بالولايات المتحدة تلبيه لدعوة جامعة تكساس لتكريمه كأحد الخريجين المميزين وقبل ذهابه لحفل التكريم أصيب بجلطة دماغية فنقل للمستشفى بعد هذه الحادثة اعتلت صحة الطريقي وقل عطاؤه فأغلق مكتبة الاستشاري عام 1984م في هذه المرحلة منتصف الثمانينات انصرف الطريقي الى ممارسة الشعائر الدينية بعد أن أعفى لحيته ولزم المسجد ملازمة تامة، وفي عام 1991م عاد الطريقي ليعيش في القاهرة مع زوجته وابنته هيا، ومكث في القاهرة ستة أعوام أمضاها في رعاية أسرته وقراءة الكتب واستقبال زملائه وأصدقائه، وفي عام 1997م عانى الطريقي ظروفا صحية وتوفي عن ثمانين عاماً ومكثت جثته ثلاثة أيام بالقاهرة فكانت زوجته مها ترغب في دفنه بالقاهرة وطلبت السفارة السعودية بنقل الجثمان إلى الرياض وهذا ما حدث وقبر الطريقي في مقابر النسيم، وكانت جريدة الأهرام أول من نشر خبر وفاته ونعته. كما نعته صحف الخليج وصحيفة الشرق الأوسط وكتبت في صفحتها الأولى " وفاة أول وزير نفط سعودي وأحد مؤسسي أوبك" وكتبت عنه جريدة السفير " غياب عبد الله الطريقي رائد شعار نفط العرب للعرب ". عبدالله الطريقي والذكرى العطرة بقلم: عبد العزيز بن محمد الحقيل يظل اسم الشيخ عبدالله الطريقي رحمة الله عليه في ذاكرة أبناء هذا الوطن كواحد من أبرز الأسماء السعودية التي عملت في صناعة البترول وكأول وزير للبترول في المملكة .. فهذا الرجل رحمه الله سيبقى اسمه في ذاكرة الوطن والمواطنين لما كان يتمتع به من علم وثقافة ووطنية صادقة .. فهو من أبناء الوطن، الذين ضربوا المثل في عشق وطنهم، وفي حبه، والتفاني في خدمة أبنائه، والعمل من أجل تقدمه.. إنه رائد من الرواد الذين يسبقون زمانَهم، وقد سبق الشيخ «الطريقي» زمانه بعدة أجيال.. ونحن حين نتذكر اليوم فلأن اسمه محفور في الذاكرة كرمز من رموز النفط في عبد العزيز بن محمد الحقيل المملكة والعالم العربي والدولي فتحية لروح الرجل الذي لم يكن له من هم أهمَّه وشغله إلا حب الوطن، وسبيل المشاركة في إعلاء شأنه ومجده. إنه ظاهرة «إنسانية» و «وطنية» فريدة ومتميزة، لا على مستوى وطنه «المملكة العربية السعودية» فحسب، بل على مستوى الوطن العربي أجمع، بما حققه من سمعة طيبة وما قام به من دور رائد في صناعة النفط العربي، حيث يعد من طلائع خبراء النفط، ومن أوائل المتخصصين في مجالاته، وبما دعا إليه من اجتماع الدول المنتجة للنفط في تجمع يحفظ لهم حقوقهم. على المستوى الوطني، فقد أنجز الطريقي رحمة الله عليه الكثير ليحقق أول مبتعث للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبشكل رسمي ولدراسة الهندسة بأنواعها، الأمر الذي أدَّى إلى توالي البعثات إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلى الآن، وقد فتح الرجل طريقا لإنشاء وتكوين كتائب وطنية من المهندسين والفنيين المتخصصين في كافة مجالات صناعة البترول. كان هدفه وطنيا خالصا، يسعى من خلاله إلى ترجمة حبه لوطنه ترجمة «عملية»، تحت عنوان مهم أصبح بعد ذلك عنوانا للكثير من أداءات المخلصين من أبناء الوطن، إذ كان يسعى إلى «التوطين» في صناعة البترول، وما أغلاه من مسعى وما أعظمه من هدف آنذاك. وما زلت أتذكر عندما زرته في مكتبه في مدينة الظهران، وكان حريصاً على توظيف مهندسين سعوديين في أرامكو، والتي كانت في ذلك الوقت مملوكة بالكامل لشركات الزيت الأمريكية اكسون، موبيل، شفرون وتكسكو.. فقد شجع الكثير على الابتعاث لكي يخدموا وطنهم في هذا المجال، ولعلي هنا أتذكره جيداً عندما كان يزورنا بانتظام في الجامعة، في امريكا ويحثنا على العمل في ارامكو ليتحقق للوطن اهدافه، كما كان يقول انه لا يذهب الى الظهران جواً لانه يحز في نفسه مشاهدة الغاز وهو يحترق. ومن هنا، حاول ونجح في أن يرغم «ارامكو» قبل أن تصبحَ «وطنية» على استغلال الغاز الذي حاولوا إقناعه بأنه لا جدوى اقتصادية من استغلاله. ولما كانت لهم الكلمة العليا آنذاك، ولكي يرضوه جزئيا فقد قرروا ضخ الغاز في مكمن حقل بقيق وجزء من حقل الغوار، إلا ان ذلك لم يدم طويلا بعد مغادرته، واهملت صيانة المشروع بدعوى ان تكلفة الصيانة عالية!. الآن، وبعد مرور سنوات طويلة على وفاة هذا الرجل المتميز في وطنيته وعطائه نستطيع أن نتأمل، وأن ننظر حولنا في كل مكان، فنجد أن جميع ما كان يحلم به الشيخ عبدالله الطريقي قد تحقق. فها هي ملكية أرامكو بكاملها تعود للحكومة السعودية، أما نسبة السعوديين في أعمال الزيت والغاز فإنها تفوق ال 90 بالمائة، ونسبة المهندسين السعوديين تفوق ال 80 بالمائة. وجميع ما ينتج من الغاز يعالج ويستغل إما كلقيم أو كوقود، وبذلك ازدهرت صناعة البتروكيماويات، وزاد توليد الكهرباء، وارتفع إنتاج المياه بعد معالجتها، لذلك، فإن التاريخ سيظل يحفظ للطريقي موقعه وقيمته ومكانته في خدمة الوطن. ولعل هذا يدفعني إلى أن أرفع طلبي، إلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية، راجيا سموه الكريم أن يوجه بإطلاق اسم الراحل الكبير على أحد المجمعات العلمية في المنطقة، أو أن يسمي أحد الشوارع الرئيسة في المنطقة الشرقية باسمه الذي يستحق من جيلنا كل التكريم. رحم الله الشيخ الطريقي رحمة واسعة، وجزاه عما قدّم لوطنه وأمته خير الجزاء.. ولن ينسى التاريخ جهوده وعطاءه .. كما لن ينسى أبناؤه ممن عملوا في صناعة النفط سواء في ارامكو أو أي مواقع أُخرى لن ينسوا ذكرى هذا الرجل العطرة . عبد الله الطريقي، رجل التاريخ بقلم: عثمان الخويطر كلما تذكرنا سيرة وأعمال، أبي صخر، الشيخ عبد الله الطريقي رحمه الله، زاده ذلك عندنا إجلالاً واحتراماً وتقديراً، واستحق منا جزيل الامتنان والدعاء له بالرحمة والغفران. وحري بنا ألا نترك سيرته يطويها النسيان، ونحرم الأجيال الجديدة من دراستها والاقتداء بها. وكفانا نكرانا لفضله وإنجازاته العظيمة، فلم نرَ له ذكراً في كتبنا المدرسية ولا تخليداً لشخصه في مرافقنا النفطية التي كانت مرتعاً لصولاته وجولاته عندما كان يحمل هم الأمة تجاه مستقبل ثروتها الوحيدة، ولم نر حتى شارعاً واحداً يحمل اسمه. ولا هناك تفسير لهذا الجحود إلا غياب ثقافة الاعتراف بحق منْ لهم حق علينا. فما بالنا لا نأخذ العِبَر من الأمم الوفية التي تعتز برجالها المتميزين وتُعدد مناقبهم وتُقدر أعمالهم. عثمان الخويطر وعندما نستعرض حياة إنسان في مستوى شخصية عبد الله الطريقي، الذي ظل يحمل منذ عصر شبابه لقب « الشيخ عبد الله الطريقي « ، فهو بحق شيخ في الوطنية والإحساس الإنساني والعبقرية الفكرية، نجد أنه كان يسير من مرحلة إلى مرحلة حسب مُخطط مبرمج بعناية، أو هكذا كان يبدو لنا. فقد غادر مدينته « الزلفي « في عام 1924، تلك المدينة الجميلة الوادعة، التي تقع وسط نجد بين رمال النفود الحمراء والهضاب الجبلية من الشرق، وهو غض السن لم يتجاوز عمره آنذاك السادسة، متوجهاً على ظهور الإبل إلى الكويت. وبعد سنوات من الدراسة في إحدى المدارس الحديثة في الكويت ورحلة قصيرة إلى الهند، انتهى به المطاف في مصر « أم الدنيا وأرض الكنانة «، وعمره في حدود عشر إلى اثنتي عشرة سنة. وتذكر بعض الروايات أنه، على صغر سنه، أتى إلى مصر لمواصلة الدراسة قبل انضمامه إلى بعثة الحكومة السعودية بسنوات ولم يكن آنذاك يملك ولا الجزء اليسير من المال. ولكنه استطاع بإصراره وعزيمته أن يتغلب على كل الصعاب المعيشية والتأهيلية وواصل الدراسة حتى أضيف اسمه إلى البعثة. وأول شيء يتبادر إلى الذهن، هو أن ما دفعه إلى قطع كل هذه المسافات وتحمل مشاق السفر والغربة، وهو لا يزال في سن مبكرة، طموح غير عادي ورؤية لا تتوافر إلا لذوي الخبرة والمراس. وكان طوال دراسته في مصر من المراحل الأولى إلى أن أنهى الدراسة الجامعية، مثالاً للطالب النجيب. وكان ترتيبه دائماً من الأوائل في فصله، حتى إنه حصل على المركز الثاني على مستوى القطر في شهادة الابتدائية. ولم تلهه الدراسة عن النشاطات الاجتماعية التي كان لها أثر بارز في تكوين شخصيته، ومنها انضمامه إلى حركة الكشافة التي كانت في ذلك العهد مصنعاً للرجال. وبعد حصوله على شهادة البكالوريوس في علم الجيولوجيا عام 1944، عاد الشيخ عبد الله إلى المملكة حاملاً معه طموحاً لا حدود له، وعينه تنظر إلى أبعد من موضع قدميه. كان يُفكّر في ثروة البلاد البترولية التي كانت تحت تصرف شركات أجنبية، وهي وإن كان وجودها بموافقة منا وبموجب عقود بيننا وبينهم، إلا أنها كانت لديها مطلق الحرية في تحديد الإنتاج والأسعار، مع غياب كامل للمشاركة الوطنية. وهذا ما أشغل باله وأقلق عليه راحته. ولكنه كان يدرك تماماً، وهو العبقري الفذ، أن الأمور لا تستقيم بالتمني. وأن عليه، كمواطن غيور، أن يشارك في خدمة بلاده من مركز القوة. فقرر (رحمه الله) أن يواصل الدراسة المتخصصة في بلاد البترول، بعد عمل دام سنتين في وزارة المالية، التي كان على رأسها الرجل القدير وزيرنا الأول عبد الله السليمان (رحمه الله). فسافر إلى أمريكا في بعثة خاصة بأمر من جلالة الملك عبد العزيز (عليه رحمة الله). واتجه إلى جامعة تكساس الشهيرة بتخصصاتها البترولية والتحق ببرنامج الماجستير في الجيولوجيا، امتدادا لتخصصه الأصلي. وتخرج منها بعد سنتين. ويُذكَر أنه عمل لعدة أشهر بعد التخرج مع إحدى شركات البترول هناك، من أجل كسبه ولو شيئا يسيراً من الخبرة العملية قبل عودته إلى المملكة. وفور وصوله إلى وطنه، تم تعيينه مسئولا عن مراقبة شركات البترول، وهو ما كان يحلم به منذ نعومة أظفاره، وامتداداً لبرنامج حياته الذي كان، كما ذكرنا، قد خطط له بعناية فائقة. ولكنه وجد نفسه وحيداً، يُصارع أمواجاً هائلة في بحر لجِّي من تحكم وغطرسة شركات البترول العريقة، بإمكاناتها الفنية والقانونية وعنجهيتها المعهودة. فلم يكن من اليسير عليه الدخول معهم في مناقشات أو مفاوضات جدية حول أمور يرى هو أنها لا تصب في مصلحة بلاده. ونظراً لغياب العنصر البشري المؤهل من المواطنين آنذاك، فقد حاول الاستعانة بنفر قليل من الإخوة العرب المخلصين الذين كان لديهم المستوى العلمي والخبرة العملية المطلوبة التي قد تساعده على بدء مهمته الصعبة. ومن فرط حاجته المُلحة لخدمتهم في تلك الظروف، طلب من الدولة تجنيسهم حتى يكونوا جزءا ثابتا من فريق عمله، وتم له ذلك. ورغم حسن نيته وصواب رأيه، إلا أنه تعرض (رحمه الله) لانتقادات حادة في مسألة التجنيس من مجموعة أقل ما يقال عنها إنها لا تدرك عِظم المسئولية التي كانت فوق عاتقه. وكانت إنجازاته خلال مدة قياسية فوق التصور. فقد استطاع كسب الكثير من حقوق الدولة، التي كانت تذهب بطريق مباشر وغير مباشر لصالح الشركات الأم التي كانت تملك شركة البترول السعودي، أرامكو. وفرض نفسه كممثل للدولة المضيفة بحنكة واقتدار. حتى إنه سحب من الشركة التفرد بتحديد الأسعار وكمية الإنتاج، وذلك من أجل استبعاد أي سلطة مباشرة للشركات الأم على الشركة المحلية تمس سيادة ومصالح الدولة. وكان حريصاً إلى أبعد الحدود على الحفاظ على الثروة البترولية، سائلها وغازها. فلم يكن يوماً ما مرتاحاً من إحراق تلك الكميات الهائلة من الغاز. وكان سبب إحراقه واضحاً ومعلوماً لدى الجميع. فالشركات الأجنبية التي كانت تتولى الإنتاج في البلاد تدعي أن المحافظة عليه واستخدامه في مشاريع ليس لها علاقة بإنتاج البترول غير مُجدٍ اقتصادياً، إذا قيست الأمور مع ما يحصلون عليه من بيع البترول الصافي. ولكنه مع ذلك، استطاع بحنكته وإصراره اقناعهم بإنشاء معملين لحقن الغاز في حقول البترول في منطقتي بقيق وعين دار. وكان ذلك إنجازاً متميزًا، على الرغم من أن كمية الغاز المستخدم كانت قليلة بالنسبة للكمية الكبيرة التي كانت تذهب هدراً. واستمرت عملية إحراق الجزء الأكبر من الغاز المصاحب للبترول حتى نهاية السبعينات الميلادية عندما قررت الحكومة تجميع الغاز بأكمله على حسابها وتحويله إلى المرافق البتروكيماوية الجديدة في الجبيل وينبع. وكانت خطوة مباركة واستجابة لحلم الشيخ عبد الله الطريقي الذي طالما راوده. وفي منتصف الثمانينات حصلنا، بفضل الله ثم جهود المخلصين من أبناء الوطن، على كل ما كان الشيخ عبد الله يحلم به من استرجاع كامل للصناعة البترولية من الاستكشاف إلى محطات التوزيع، مرورا بالإنتاج والتكرير والنقل والتسويق. ولم يكتف الشيخ عبد الله (رحمه الله) بالنواحي المالية وتعديل وتوضيح بنود الاتفاق بين الشركة والحكومة، بل تعداها إلى مواضيع قريبة من قلبه، ألا وهي الاهتمام بالمواطن وضرورة مشاركته في أعمال إنتاج ثروة البلاد. وهو يدرك أن الطريق طويل، لما يتطلب ذلك من جهد وتخطيط . فبادر بالاتصال بوزارة المعارف واقترح عليها أن ترسل نخباً من الشباب الذين يحملون الشهادة الثانوية إلى الجامعات الأمريكية لدراسة ما يتعلق بالصناعة البترولية، ابتداء من هندسة البترول إلى الشئون المالية. وكانت أول دفعة من البرنامج وعددها يزيد على العشرين من خريجي الثانوية لعام 1959. وكان لمُحدثكم الشرف بأن يكون أحد أفرادها. وكان الشيخ عبد الله قد مهد لاتفاق بين وزارة المعارف وجامعة تكساس التي احتضنت برنامج الابتعاث لما يقارب عشر سنوات. وكان برنامجاً ناجحاً بكل المقاييس. والشاهد هنا أن وزارة المعارف، بعد أن أعلنت أسماء أول دفعة، طلبت منا أن نقابل الشيخ عبد الله (عليه رحمة الله) في مكتبه في جدة قبل السفر إلى الولايات المتحدة. وكانت فرصة ذهبية لنا مقابلة إنسان بشخصيته وتواضعه وعمق تفكيره واهتمامه غير العادي بمستقبل بلاده. فكان (رحمه الله) يتحدث إلينا وكأنه ينظر إلى صفحة التاريخ ويصور لنا ما وجدناه في حياتنا بعد أن منّ الله علينا بالتخرج والالتحاق بالعمل حسب الخطة التي رسمها هو بنفسه. وبعد مغادرتنا بوقت قصير أصبح أول وزير للبترول في المملكة. ورغم مشاغله الداخلية والخارجية، فلم يبخل علينا بزيارات قصيرة عندما يحضر إلى أمريكا. وكنا نسمع منه النغمة نفسها، الحث على الاجتهاد ومن ثم الإخلاص في العمل والتفاني في سبيل رفعة الوطن. رحمك الله يا شيخ عبد الله، فقد كنت نعم المعلم ونعم الصديق والقدوة الطيبة والمواطن الصالح. كان عبقريّاً ومبدعاً ومجدداً في علوم الاتفاقيات البترولية، حتى إنه صار معلماً يُحتذى بأفعاله في منطقة الشرق الأوسط. وما مجهوده في إنجاز تكوين منظمة الأوبك في أوائل الستينيات إلا جزء يسير من مهمته التاريخية الكبرى. أما رحلته التالية، بعد أن قرر مغادرة المملكة لأسباب شخصية، فلم تكن أقل إثارة وإنجازاً. فقد عمل مستشاراً مميزاً في شئون البترول لعدد من دول الشرق الأوسط، وظل ينشر الوعي والثقافة البترولية بدون مقابل. وأصدر دوريات تهتم بالبترول كثروة ثمينة وناضبة، حتى إنه اشتهر بمقولته التاريخية، « بترول العرب للعرب «. وكان (رحمه الله) عفيف اللسان طيب القلب، فلم يُعرَف عنه أنه تعرض لأي مسئول في المملكة أو سياسة الدولة خلال وجوده خارجها، على الرغم من المتغيرات السياسية المتتالية التي كانت تعصف بالمنطقة في الستينات وانتشار ثقافة وحركات الأحزاب مختلفة الاتجاهات في المحيط العربي. وكان بإمكانه (رحمه الله) أن يكون من أكبر أثرياء العالم، ولكن لم يكن ذلك قط من أهدافه. وعندما رمى عصا الترحال، عاد إلى بلاده في أوائل الثمانينات ولم يكن يملك إلا ربما قوت يومه. وهكذا العظام الذين يقضون حياتهم ويعيشون لمبادئهم السامية وخدمة أمتهم وشعوبهم، غير عابئين بشيء من حطام الدنيا. ومن حسن الطالع، أن الدولة (حفظها الله) لم تنس فضله، فكرمته فور وصوله بما يستحق. وعاش بقية حياته في الرياض يمارس هوايته المفضلة وهي ركوب الخيل، ويزور من وقت لآخر مسقط رأسه مدينة الزلفي مع نخبة من أصدقائه. وقد لازم في أواخر سنواته في الرياض المسجد المجاور لبيته في حي الروضة، حتى إنه كان يقوم بالأذان للصلاة ويؤم المصلين في حال غياب الإمام، فكان ختام حياته مسكاً ولا نزكّيه على الله. وكان في أواخر سنواته قبل عودته قد تزوج ورزق بنتا سماها هَيَا، أكملت دراستها ما قبل الجامعة في الرياض. ومن ثم انتقلت العائلة معها إلى القاهرة للدراسة الجامعية في أوائل التسعينات. وظل هناك حتى أتته المنية في عام 1997. وقد نُقل جثمانه الطاهر إلى المملكة ودُفن في مدينة الرياض. اللهم اغفر لنا ولعبد الله الطريقي ولوالدينا وأسكنا جميعاً جنات النعيم. هذه مجرد خواطر عابرة، أما الذي يود أن يستزيد ويقرأ سيرة وأعمال الشيخ عبد الله الطريقي كاملة، فيجدها في كتاب، « صخور النفط ورمال السياسة «، تأليف الأخ الفاضل محمد عبد الله السيف. وهو كتاب لا غنى عنه لكل مواطن. ولو كان لي من الأمر شيء، لجعلته مقرراً ثابتاً لطلاب وطالبات الجامعات في المملكة. فسيرته العطرة وكفاحه وإنجازاته، تُعتبَر مدرسة للأجيال في المواطنة الصالحة والتفاني في سبيل الوطن والإخلاص في العمل والطموح المثمر اللامحدود.