عُقد الاجتماع الوزاري الأول لمنظمة «أوبك» في بغداد في 10 أيلول (سبتمبر) 1960. ويعود الفضل في تأسيس هذه المنظمة الاقتصادية للدول النامية الى المرحوم عبدالله الطريقي، أول وزير سعودي للبترول، بالتعاون مع خوان بابلو بيريز الفونسو، وزير البترول الفنزويلي آنذاك. وعلى رغم أن اللمسات الأخيرة لتأسيس المنظمة وُضعت في «مؤتمر البترول العربي الأول» عام 1959 (قبل تعيين الطريقي وزيراً) الذي نظمته جامعة الدول العربية في القاهرة، إلا أن اللبنات الأولى لتأسيس المنظمة وُضعت أوائل عقد الخمسينات، من خلال لقاءات متعددة ما بين الطريقي وبيريز، كما ساعدت قرارات الشركات خفض سعر النفط من جانب واحد ومن دون استشارة الدول المعنية، في إعطاء الزخم اللازم لاتخاذ الدول المصدرة المبادرة وتأسيس المنظمة للدفاع عن مصالحها. كان الطريقي أول طالب ابتعثته الحكومة السعودية الى الخارج (إلى ولاية تكساس الأميركية) للحصول على شهادة عليا في علم الجيولوجيا. وعُيّن بعد تخرجه في الخمسينات مراقباً لحسابات المملكة بالنسبة إلى الدخل النفطي المحقق من شركة «أرامكو». وهو من الخبراء العرب الأوائل في صناعة النفط، وخاض في عقدي الخمسينات والستينات، عندما كان مسؤولاً في الدولة، أو لاحقاً كمستشار بترولي في بيروتوالقاهرة والكويت، وأخيراً في السعودية، صراعات كثيرة مع شركات النفط الدولية. والطريقي هو صاحب شعار «نفط العرب للعرب» الذي هيمن على تفكير جيل عربي بأكمله خلال منتصف القرن الماضي. وساهم في بيروت مع زميله الخبير البترولي نيقولا سركيس في إصدار مجلة «النفط العربي» وتحريرها، ولاحقاً أصدر مجلة «نفط العرب» في الكويت. إلا أن الطريقي لم يكن خبيراً بترولياً فقط، بل كان أيضاً معلَماً من معالم القومية العربية، وناضل بكل ما يملك من قوة وذكاء وعزيمة من أجل أفكاره ومعتقداته. والطريقي هو من الجيل العربي الذي دافع عن مصالح العرب في ديارهم كلها، وعلى رغم اقتصار نشاطه الواسع على الصعيد العربي، تجاوزت أعماله بلاده والبلدان العربية، إذ يبقى دوره المهم في تأسيس «اوبك» من كبرى إنجازاته التي تركت آثاراً كبيرة على بلاده وبقية الدول المنتجة للبترول. عبّر الطريقي عن بعد نظر عند مبادرته إلى تأسيس المنظمة. فقد أصر منذ البداية على اشراك فنزويلا وإيران في المنظمة الفتية، على رغم كون فنزويلا دولة غير خليجية أو مسلمة، وإيران دولة غير عربية. كان هدفه التركيز على مفاوضات متكافئة مع الشركات الدولية، وعدم السماح للشركات باستفراد الدول المنتجة، وكان هدفه الأساسي من ثم دعم الموقف التفاوضي للدول المنتجة وعدم ولوج المنظمة في معارك جانبية لا تخدم المصالح الاقتصادية لأعضائها. شرح الطريقي في مجلته «البترول والغاز العربي» عام 1965، الهدف من تأسيس المنظمة، معبراً عن شكواه وهمومه إزاء الموقف الضعيف للدول البترولية في تفاوضها المنفرد مع الشركات الدولية ومن ثم طموحه إلى مفاوضات جماعية ومشتركة ما بين الدول المنتجة والشركات، للحصول على شروط أحسن للدول النفطية، كالاتي: «إن أوبك هي المنظمة التي قامت نتيجة لشعور كل من أعضائها المؤسسين بأن وجودها ضرورة حتمية للمحافظة على مصالحهم وحمايتهم من سيطرة واستغلال شركات البترول التي تملكها أو تسيطر على سياستها حكومات الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للبترول المنتج من حقول الدول الأعضاء في المنظمة. ومرت كل من هذه الدول بتجارب قاسية عندما حاولت، قبل إنشاء المنظمة، تحسين شروط الامتيازات وذلك نظراً إلى ضعف قوتها التفاوضية إزاء شركات البترول العاملة في بلادها. وكانت نتيجة كل المفاوضات التي دارت بين حكومة بمفردها ومجموعة من الشركات خروج الشركات بنصيب الأسد. وكانت هذه المفاوضات تنتهي في غالبية الأحيان إلى التراضي وتنازل حكومة البلاد التي وقفت وحدها أمام الشركات عن جزء كبير من مطالبها الأساسية». ما الذي حققته «أوبك» خلال النصف القرن الماضي؟ استطاعت المنظمة الحصول على ريع مالي معقول لصادرات الدول الأعضاء النفطية من خلال الدفاع عن سعر عادل لأسعار النفط. كما دعمت شركات النفط الوطنية كي تصبح اليوم لاعباً مهماً على الساحة البترولية الدولية يُحسب حسابه، ولا يمكن إغفاله. وشجعت «أوبك» التعاون والحوار مع المنتجين خارج المنظمة ومع المستهلكين، وتبذل المنظمة جهوداً واسعة في الحملة العالمية لحماية البيئة، مع الأخذ في الاعتبار مصالح الدول المنتجة. وتتبرع دول المنظمة من خلال «صندوق أوبك للتنمية الدولية» (أُفيد) بملايين الدولارات سنوياً إلى دول العالم الثالث المحتاجة الى مساعدات محددة في مكافحة الفقر والأمراض وتحسين وسائلها الزراعية والتعليمة. وتمكنت المنظمة من تكوين جهاز للدراسات والبحوث يُعتمد عليه في الصناعات الدولية. وتبقى حقيقة استمرار المنظمة بقوة متزايدة لمدة 50 سنة، على رغم التحديات الكبرى التي تواجهها، من أهم الإنجازات التي تُسجل لصالحها، فلا توجد منظمة أخرى للدول النامية لعبت هذا الدور الحيوي والاستراتيجي في الاقتصاد العالمي واستمرت في عملها طوال هذه الفترة. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة.