الوضع اللبناني على فوهة بركان وجولة العنف على لبنان من الجانب السوري، تستمر في ظل تسارع وتيرة التوترات الى درجة غير مسبوقة وانكفاء المعالجات وعجز القوى الداخلية اللبنانية عن انتاج تسويات خارج نطاق الحسابات الاقليمية والدولية المتحكمة بالواقع الداخلي، المصاب بشظايا الازمة السورية والمرشح، اذا ما استمرت من دون ارساء حلول توافقية تنأى بالمسرح اللبناني عن التداعيات الواسعة، لمزيد من التدهور الدراماتيكي الذي يضع المصير برمته على المحك. وحتى اللحظة، تعيش مدينة طرابلس عطلة قسرية أضيفت الى عطلة عيد الفطر بفعل الاحداث الامنية في باب التبانة ومحيطها لليوم الثالث على التوالي، بحيث شهدت إلقاء قذائف من قبل عناصر "الحزب العربي الديمقراطي" الموالي للنظام السوري، والذي يمارس تسلطه على عموم المدينة جراء ممارسته القنص بشكل مستمر على المواطنين الابرياء. وخلال جولة ميدانية بين الرصاص الكثيف والمتبادل بين الجبل من جهة ومحاور التبانة من شارع سوريا وتفرعاته في طلعة العمري، طلعة الكواع، بعل الدراويش السنترال، ستاركو وصولاً الى مستديرة الملولة حيث استمرت عمليات القنص المتبادلة طوال النهار، أعرب أبناء التبانة عن استيائهم من الأوضاع السائدة، فيما أكد سكان منطقة الزاهرية، الذين لم يغمض لهم جفن على مدى اليومين الماضيين، أنه «علينا الانتظار والتعايش مع هذا الواقع الى حين سقوط النظام السوري، ولكننا نتمنى ألا تتطور الأوضاع الى أسوأ من ذلك فندخل في ما لا تحمد عقباه». وسط هذه الأجواء، شهدت السرايا الحكومية سلسلة اجتماعات أمنية لضبط الوضع في مدينة طرابلس ومنع الاخلال بالأمن برئاسة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي. فيما دعا الجيش اللبناني والقوى الأمنية الى "ضرورة التشدد في ضبط الوضع ومنع اطلاق النار وتوقيف المخلين بالأمن". ميدانياً، غابت مظاهر الحياة والحركة عن المدينة المفترض أن تعود اليها بعد العيد، بسبب استمرار التعدي على المدينة وأهلها واستخدام شتى أنواع القذائف التي لم تقتصر على محاور المواجهة في التبانة والمنكوبين والقبة والريفا، بل وصل بعضها الى الزاهرية وطلعة ابي سمراء عند القلعة وأماكن بعيدة عن المواجهة، وكبدت المواطنين خسائر باهظة في ممتلكاتهم وأرواحهم. وشيع ظهر أمس عدد من الضحايا من بينهم زكريا المصري الذي نقل جثمانه من التبانة الى جامع طينال بمواكبة أمنية خاصة من رفاقه الذين أطلقوا الرصاص في الهواء غضباً مما زاد في توتير الاجواء، ورفع عدد الضحايا الذين سقطوا على مدى اليومين الماضيين الى عشرة والجرحى الى أكثر من سبعين. وسجل نزوح عشرات العائلات من أماكن التوتر في اتجاه منطقة الضنية، هرباً من الاشتباكات الدائرة، وبحثاً عن مكان آمن. وشوهدت أرتال من السيارات تتجه إلى الضنية سالكة الطريق الرئيسية التي تربطها بطرابلس. وكانت منطقة الضنية استقطبت منذ اندلاع الاشتباكات بداية الأسبوع الجاري، مئات العائلات الطرابلسية التي أقامت إما في شقق تمتلكها أو مستأجرة أو في فنادق أو لدى أقارب لهم في المنطقة، حيث ازدحمت قرى وبلدات عدة بهؤلاء النازحين. وشهدت محاور باب التبانة منتصف ليل أول من أمس معارك حامية على جميع المحاور المحيطة بجبل محسن حيث تتحصن عناصر الحزب "العربي الديمقراطي" وتقوم بإلقاء القذائف. وليلاً ضرب الجيش طوقاً أمنياً حول منزل مسؤول الحزب رفعت عيد، مبرراً ذلك بأنه يسعى وراء بعض العناصر التي اختبأت في المنزل بعد أن ألقت قنابل على الجيش، الا أن بعض المصادر أشار الى أنه جرى رصد لتجمعات كانت تعد لشن هجوم على منزل عيد، لكن ذلك لم يحصل وبقيت العملية في اطارها العام لناحية تبادل اطلاق الاعيرة النارية من دون تسجيل أي تقدم لأي من الاطراف، ولكن حدة المواجهة ارتفعت ليلاً واستخدمت فيها مختلف أنواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة. وفي ساعات الصباح الاولى ساد جو من الحذر الشديد، مع استمرار تسجيل القنص الذي بقي مخيماً على التبانة طوال أمس، وأبقى على الطريق الدولية التي تربط طرابلس بعكار مقطوعة، مما أجبر سالكي هذا الطريق على العبور عبر طرقات أخرى فرعية. وأفيد ظهر أمس انه نتيجة لعمليات القنص توفي المواطن محيي الدين محمود متأثراً بجروحه عن عمر 75 عاما في منطقة جبل محسن. كما أصيب الطفل عز الدين أحمد حمزة في ظهره في ساحة القبة ونقل على الاثر الى المستشفى الحكومي في طرابلس. وأوضح مدير المستشفى ناصر عدرة ان الطفل المصاب في حال خطرة ويخضع لعملية جراحية، مشيرا أيضا الى وصول جندي في الجيش الى المستشفى مصاباً. كما نقل الى المستشفى الاسلامي الخيري في طرابلس الطفل مروان النابوش مصاباً بجروح طفيفة، وعثمان سعدى مصاباً من جراء القنص في محاور الاشتباكات في طرابلس، واصابته متوسطة. اجتماع في منزل كبارة يؤكد اتفاق كوادر التبانة على وقف النار وفي اطار متابعة المستجدات والاوضاع في طرابلس، عقد اجتماع في دارة النائب محمد كبارة في المدينة تم خلاله الاتفاق على وقف النار عند الخامسة والنصف من عصر امس، والطلب الى الاجهزة الامنية والجيش اللبناني دخول مناطق الاشتباك والرد على مصادر النيران. وتلا كبارة بعد الاجتماع بياناً جاء فيه : "عقد اللقاء الاسلامي الوطني اجتماعاً في منزل النائب محمد كبارة متابعة لاجتماع يوم امس (الاول) وبحضور نواب طرابلس والقوى السياسية وعدد من فاعليات التبانة، كما حضر جانباً من الاجتماع مدير فرع مخابرات الشمال في الجيش اللبناني العميد عامر الحسن والعميد بسام الأيوبي عن قوى الأمن الداخلي، وتم خلال الاجتماع البحث في سبل تطبيق وقف اطلاق النار وأعمال القنص والتي تشل منطقة طرابلس منذ ثلاثة أيام، وبنتيجة التداول تم الطلب من قيادة الجيش اعادة نشر وحداتها في مناطق الاشتباكات وتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار عند الساعة الخامسة والنصف من عصر هذا اليوم (أمس) والرد على أي مصدر لاطلاق النار". واشار الى أن القوى "المجتمعة كانت على اتصال دائم بالرئيس نجيب ميقاتي الذي أيد كل الخطوات، معلناً حرصه على أمن المدينة واستقرارها، وانه سيقوم بدعم تطبيق هذا الاتفاق من قبل الجهات المعنية". وقال : "ان وقف اطلاق النار مسؤولية القوى والأجهزة الأمنية والتي من واجبها الرد على أي مصدر لاطلاق النار، بعدما تم الاتفاق على هذه البنود". وأكد ان "كوادر التبانة برمتها كانت موجودة في الاجتماع وتم الاتفاق على وقف اطلاق النار عند الساعة الخامسة والنصف وانتشار الجيش في مناطق الاشتباكات والرد على أي مصدر لاطلاق النار"، مشدداً على أن "ضمانتنا الجيش اللبناني والقوى الأمنية وعليها القيام بدورها في هذا المجال من أجل استقرار المدينة والمواطنين". وأوضح أن "الرئيس ميقاتي أبدى استعداده للحضور الى طرابلس برفقة وزيري الدفاع (فايز غصن) والداخلية (مروان شربل) للاشراف على تنفيذ وقف اطلاق النار". وفي سياق المتابعة الحثيثة من قبل بلدية طرابلس، جال رئيس اتحاد بلديات الفيحاء نادر الغزال يرافقه اعضاء المجلس البلدي خالد صبح، محمد شمسين وعمر الهوز، على منطقة التبانة حيث اطلعوا على الاضرار والدمار الحاصل. واعلن الغزال اتخاذ المجلس البلدي قراراً بصرف 40 مليون ليرة لبنانية كمساعدات غذائية لأبناء التبانة والقبة وجبل محسن. وخلال جولة ميدانية بين الرصاص الكثيف والمتبادل بين الجبل من جهة ومحاور التبانة من شارع سوريا وتفرعاته في طلعة العمري، طلعة الكواع، بعل الدراويش السنترال، ستاركو وصولاً الى مستديرة الملولة حيث استمرت عمليات القنص المتبادلة طوال النهار، أعرب أبناء التبانة عن استيائهم من الأوضاع السائدة، فيما أكد سكان منطقة الزاهرية، الذين لم يغمض لهم جفن على مدى اليومين الماضيين، أنه "علينا الانتظار والتعايش مع هذا الواقع الى حين سقوط النظام السوري، ولكننا نتمنى ألا تتطور الأوضاع الى أسوأ من ذلك فندخل في ما لا تحمد عقباه". ونزحت غالبية عائلات بعل الدراويش، التي تسكن بالقرب من المنطقة السفلى للجبل، وافترشت أرض المخازن ومحلات النجارة هرباً من القنص والقذائف. تشييع نائب رئيس بلدية الغزيلة وتركت الأحداث والاشتباكات في طرابلس تأثيرها على منطقة عكار جراء قطع الطريق الدولية التي تربط المدينة بالمنطقة بسبب أعمال القنص على مستديرة وجسر الملولة واضطرار المواطنين لسلوك طرق التفافية عبر البداوي الى زغرتا فطرابلسوبيروت، وأيضاً من خلال الجمود التام في الحركة الاقتصادية في المنطقة وعلى الحدود، في حين شهدت المنطقة توافد أعداد كبيرة من العائلات الطرابلسية ومن أصل عكاري في حركة نزوح ملفتة وتحديداً الى بلدات تكريت، عكار العتيقة، السويسة وعشرات القرى العكارية الأخرى هرباً من الاشتباكات بحيث يعيش هؤلاء لدى أقربائهم بانتظار الفرج القريب. من جهة أخرى، شيعت بلدة الغزيلة ليل أول من أمس نائب رئيس بلديتها عماد اسماعيل، الذي توفي متأثراً بجروح أصيب بها في منطقة باب التبانة، بحضور المنسق العام ل "تيار المستقبل" خالد طه وعدد من رؤساء البلديات والمخاتير. واشنطن وباريس قلقتان من أعمال العنف في الشمال وأعربت وزارة الخارجية الامريكية عن "قلقها العميق من أعمال العنف التي تدور في شمال لبنان ومن رد فعل من سوريا"، مشيرة الى "شكوك كبيرة في احتمال اجراء مشاورات بشأن استقالة الرئيس السوري بشار الاسد، الامر الذي اشار اليه نائب رئيس الوزراء السوري (قدري جميل) في موسكو الثلاثاء". وقالت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية فكتوريا نولاند أمس الاول : "اطلعنا على المعلومات حول هذا المؤتمر الصحافي لنائب رئيس الوزراء السوري. بصراحة، لم نر فيه اي جديد استثنائي. والحكومة السورية تعلم ما عليها القيام به والحكومة الروسية انضمت الينا في جنيف لوضع خطة انتقال بالغة الوضوح". وأضافت : "هذه المشاورات كانت اذن فرصة للروس ليشجعوا نظام الاسد على البدء بالتزام خطة الانتقال هذه، من دون الحاجة الى القيام بمناورات كتلك التي بدا ان نائب رئيس الوزراء يقوم بها". واعتبرت أنه "كلما أسرع الاسد في الرحيل سنحت لنا الفرص للانتقال سريعاً "الى اليوم التالي" للقيام بعملية انتقالية في سوريا". وأوضحت ان واشنطن تكتفي حتى الآن بتزويد المتمردين السوريين ب "مساعدة غير قاتلة مع اكثر من 900 جهاز اتصال"، ورصدت مبلغاً بقيمة "25 مليون دولار لبرامج تأهيل الناشطين" في الدول المجاورة لسوريا مثل تركيا. وأبدت "قلقها العميق من اعمال العنف التي تدور في شمال لبنان ومن رد فعل من سوريا". من جانبها، دانت فرنسا "بشدة الاشتباكات بين العلويين والسنة في طرابلس"، محذرة من "مغبة نقل الصراع من سوريا الى داخل لبنان على أساس طائفي". واكدت "احاطتها علماً بما قاله نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل حول استعداد دمشق للبحث في تنحي بشار الأسد"، مشددة على ان "اي عملية انتقالية سياسية نحو الديمقراطية في سوريا تستوجب قبل كل شيء رحيل الرئيس السوري". وتعليقاً على احداث طرابلس، أصدرت الخارجية الفرنسية بياناً رسمياً قالت فيه : "ندين بشدة الاشتباكات الجديدة التي حصلت في طرابلس في لبنان وأوقعت ستة قتلى و75 جريحاً. نحن نتابع باهتمام تطور الوضع في لبنان ونعرب عن قلقنا البالغ ازاء العدد المتزايد للحوادث. يجب على لبنان الا يستقطب الى اراضيه صراعاً لا شأن له به". تجدد الاعتداءات السورية على قرى عكارية كما عاودت وحدات من الجيش النظامي السوري قصفها المدفعي على قرى وبلدات عكارية، حيث استهدفت منطقة ميدان منجز ومحيط بلدة فريديس، بأكثر من تسعة قذائف من الدبابات والمدفعية الثقيلة، علما أن هذه البلدات تبعد نحو 3 كيلومترات عن الحدود السورية . من جهتها، استنكرت فعاليات المنطقة في بيان، "اعتداءات شبيحة الأسد على المنطقة". وطالبت ب"تأمين الحماية للقرى والبلدات، وتقديم شكوى للمرجعيات المحلية والعربية والدولية، من أجل لجم هذه الانتهاكات المستمرة، والتي لا مبرر لها، سوى ما هو موجود في مخيلة أدوات النظام المحليين، من إدعاءات بوجود مجموعات مسلحة إرهابية، على الرغم من الانتشار الكثيف للجيش اللبناني، والقوة المشتركة، لضبط الحدود في المنطقة". طيران حربي ومروحيات سورية تطلق نيرانها فوق معربون والقاع وأفاد أهالي منطقة مشاريع القاع الحدودية عن تحليق للطيران الحربي والمروحيات السورية فوق تلك المنطقة في جانبها اللبناني، ما تسبب بذعر كبير لدى الاهالي الذين احتموا تحت الاشجار في الاراضي الزراعية خوفا من تعرض منازلهم للقصف. وكانت المروحيات قامت بطلعات فوق الاراضي اللبناني منذ ساعات الصباح الباكر لمرات عديدة، أطلقت خلالها النار باتجاه بعض المنازل ترويعا للاهالي. وافاد م.ك. ان "محلة الجورة في منطقة المشاريع تعرضت منذ ساعات الصباح الى طلعات متكررة لمروحيات الجيش السوري النظامي، عمدت خلالها إلى اطلاق النار باتجاه المنازل التي يقطنها السكان الذين هربوا واحتموا داخل البساتين التي تحيط بها الاشجار". واكد ان هذه "المروحيات استمرت بطلعاتها بين حين وآخر، وقد اصر الاهالي على عدم مغادرة منازلهم رغم حذرهم وذلك خوفا من دخولها من قبل كتائب الاسد وسرقتها كما جرت العادة". وافادت معلومات عن قيام الطيران الحربي والمروحيات السورية بطلعات، تخللها قصف عنيف على الحدود السورية اللبنانية لجهة بلدة معربون الحدودية.