جاء رجل إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وانبه على عقوقه لأبيه، فسأله الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ فقال عمر: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب (أي القرآن)، فقال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلًا (أي خنفساء). ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا. فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلي تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعوقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك. كان لا بد أن أستهل الجزء الثاني من مقالي بتلك القصة، حتى لا ألقي المسئولية كاملة على الأبناء في «عقوق الوالدين»، فهناك جزء من المسئولية يتحمله الوالدان أنفسهما، وإن كنت عرضت في الجزء الأول من مقالي إحصائيات عجيبة وأرقامًا غريبة تكشف عن انتشار مشكلة «عقوق الوالدين» في مملكتنا، فإنه ليس بالغريب أن نعرف أن هذه الزيادة تتناسب طرديًا مع عدد القضايا التي يقوم برفعها أبناء ضد آبائهم أمام المحاكم إما بسبب العنف، أو سوء المعاملة أو عضل الفتيات، أو تزويج القاصرات، وغيرها من الخلافات الأخرى، وهناك أرقام أيضا تظهر عقوق الوالدين لأبنائهم، كان آخرها ما كشفته جريدة «الشرق الأوسط» قبل أيام عن أن هيئة حقوق الإنسان الحكومية تباشر التحقيق في أكثر من 30 قضية عضل للفتيات، أي رفض الآباء وأولياء الأمور تزويج بناتهم. هذا الأمر يكشف أن أهم أسباب ارتفاع نسبة العقوق في مجتمعنا هم الآباء أنفسهم بعدم إعانتهم لأبنائهم على برهم إما عبر انتهاكهم لحقوقهم أو جهلهم بقواعد وأصول التربية الصحيحة أو الفهم الخاطئ من الآباء لعملية البر، يقول صلى الله عليه وسلم «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم». حديثنا عن حقوق الأبناء على آبائهم لا يعني أننا نبرر بحال من الأحوال عقوق أي من الأبناء لآبائهم إن قصروا في حقهم- عن قصد أو غير قصد- وتذكروا أنه كما تدين تدان، بل وإنك ستجني ثمرة العقوق في الدنيا قبل الآخرةفيجب على كل ولي أمر أن يعلم أن أبناءه أمانة هو مؤتمن عليها فلا يظلمهم، ولا يسلبهم حقوقهم، فبروا أبناءكم كي يبروكم، كذلك على الوالدين أن يكونا قدوة لأبنائهما من خلال برهم بآبائهم وأمهاتهم. ولكن حديثنا عن حقوق الأبناء على آبائهم لا يعني أننا نبرر بحال من الأحوال عقوق أي من الأبناء لآبائهم إن قصروا في حقهم- عن قصد أو غير قصد- وتذكروا أنه كما تدين تدان، بل وإنك ستجني ثمرة العقوق في الدنيا قبل الآخرة، يقول صلى الله عليه وسلم : «اثنان يتعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين»، فأرفقوا بوالديكم وأحسنوا معاملتهم، واخفضوا لهما جناح الذل من الرحمة. وختامًا هناك حاجة ماسة لإطلاق حملات توعية ودينية تستهدف الآباء والآبناء تعرف كل طرف حقوقه وواجباته التي حددها ديننا الحنيف، فيجل الآبناء آباءهم، ويرعى الآباء أبناءهم، حتى نصل إلى مجتمع قوي البنيان يسوده الحب والوئام. [email protected]