كثيرة هي القضايا التي حكم عليها بالعقوق قضائيا نتيجة عضل والد الفتاة لها ورفض تزويجها ، حيث تسود المجتمع حالات وحالات تزداد يوما بعد يوم لظلم الولي للفتاة ، وكذلك حالات العقوق هي الأخرى من مسببات العضل وغيرها والتي ترتفع حصيلتها وقتا بعد وقت والإحصائيات تشير إلى ذلك. واعتبر شرعيون العقوق والعضل قاسمين مشتركين للظلم أيًا كان نوعه وطبيعته وصاحبه يعدّ فاسقا، مطالبين بتجاوز مسألة (باب سد الذريعة) في هذا الجانب خصوصا ما يتبعه من آثار اجتماعية وأسرية وتربوية كبيرة جدا.وطالبوا أولياء الأمور من الآباء والأمهات أن يراعوا حق الله فيمن ولاهم الله عليهم الولاية من الأبناء والبنات على حد سواء. فقد قال المستشار القضائي الدكتور صالح بن سعد اللحيدان : هذا هو العضل الذي كان أصله في الجاهلية الأولى قبل البعثة وبعد الإسلام ترك الناس هذا الأمر.وتعد مسألة العضل من كبائر الذنوب العظمى ومن أجل ذلك فإن العضل على أنواع منها ماهو سائد في العالم الإسلامي وعضل الأب لابنته وعدم تزويجها وإبقائها من أجل الخدمة أو المهر الغالي أو لمالها فإذا تحقق هذا النوع ولم تنفع مع الأب المحاورة والنصح والإرشاد فللمرأة اللجوء إلى الله ثم إلى القاضي وللقاضي تزويجها لمن ترغب ويجب في هذه الحالة أن لا تخضع لأبيها ويجب عليها في هذه الحالة ألا تسئ إلى أبيها لا بلسان الحال ولا بلسان القول، والنوع الآخر بما يسمى بالشغار وهو عضل الفتاة لتزويجها لمن يرغبون وهو عضل تحديدي ، والثالث عضل الأم لبنتها وخاصة بعد الطلاق نكاية بالأب ، والرابع عضل الإخوة لأختهم بتزويجها لمن يريدون. ونصح اللحيدان الفتاة المعضولة والمظلومة بالصبر واللجوء إلى الله تعالى ثم إلى القاضي وعدم الإساءة للأب ، معتبرا اللجوء لدار الرعاية وترك منزل الوالدين طريقة غير وجيهة ولا نزيهة ولا صحيحة لكن المطلوب الأخذ بالأمور الشرعية والتدرج في ذلك من المناصحة والمحاورة مع الأب أو الأم أو الإخوة ثم اللجوء للقضاء وغيرها من الأمور الشرعية الصحيحة لإبراء الذمة أمام الله. عقوق وعضل: فيما اعتبر القاضي بالمحكمة العامة بالرياض المكلف بالمجلس الأعلى للقضاء محمد بن إبراهيم الصائغ أن قضايا عقوق الوالدين من القضايا الشائكة والمزعجة خصوصاً مع تنوعها وتفاوتها في الخطورة فمن تهديد وتلفظ بألفاظ سيئة على الوالدين إلى أن تصل ببعض الأبناء الذين تجردوا من انسانيتهم ولم يردعهم دين ولا حياء ولا خلق فيعتدوا على والديهم بالضرب بل ربما وصل الأمر للقتل دون رحمة أو شفقة فمن كان سبباً في حياته كافأه بأن يكون سبباً في موته فأي ذنب أعظم من هذا. وقال : وعقوق الوالدين من كبائر الذنوب التي توجب مقت الله وسخطه وقد قرن الله حق الوالدين بحقه جل وعلا فقال (وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً) وقال صلى الله عليه وسلم "اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها"عقوق الوالدين". وللأسف الشديد لا توجد دراسات دقيقة تبيّن لنا مدى انتشار العقوق في المجتمع إلا أنه في زيادة لأسباب كثيرة فتحدثنا الأخبار الصحفية بأن 5% من القضايا الأسرية في المحاكم متعلقة بالعقوق وتختلف هذه النسبة من منطقة لأخرى ففي المنطقة الشرقية سجلت تلك القضايا زيادة كبيرة حيث زادت بنسبة52% عن السنوات الماضية وفي محافظة جدة زادت قضايا العقوق20% حيث متوسط قضايا العقوق 120قضية شهرياً حسبما طالعتنا به بعض الصحف وكذلك الأمر في بقية مناطق المملكة ومحافظاتها مما يثير القلق ويبعث الدهشة فنحن في مجتمع مسلم تربّينا على الأخلاق الحسنة والمبادئ العادلة وحفظ الحقوق فكيف تنتشر مثل هذه القضايا !! هذا السؤال الذي يحتاج إلى جواب دقيق وتكاتف للجهود لوضع الحلول ولاقتراح العلاج. وعن قضايا العضل قال الصائغ: هي وإن كانت لا تشكل ظاهرة في المجتمع إلا أنها مشكلة تحتاج إلى التفاتة من الجهات المسؤولية خصوصاً في المؤسسات القضائية حيث يستوجب الأمر بحث المسألة وسن إجراءات قضائية تسهل على الفتاة المعضولة الوصول للمحكمة بأقصر الطرق وأسهلها. لمرة واحدة يصبح فاسقاً ، قال ابن قدامة–رحمه الله- : "ولأنه يفسق بالعضل فتنتقل الولاية عنه كما لو شرب الخمر". والقول الآخر يصبح فاسقاً إذا تكرر ذلك منه ، قال ابن عقيل –رحمه الله-: "لايفسق إلا إن يتكرر الخُطَّاب وهو يمنع أو يعضل جماعة من مولياته دفعة واحدة ، فإذاً تصير الصغيرة في حكم الكبيرة". -تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن نسبة الموظفات السعوديات غير المتزوجات ممن تجاوزن سن (28) عاماً فأكثر حوالى 44% وليس بالضرورة أن سبب عدم الزواج هو العضل فقد يكون هناك أسباب أخرى كثيرة ولكن حتماً أن من الأسباب العضل لأن الولي يريد أن ينفرد براتب البنت ويستفيد منه فيمنع عنها الخُطّاب ويحرمها من الزواج!!. همسة للآباء ومن نظرة شرعية اجتماعية واقعية أشار الدكتور عبدالإله العرفج الى أن علاقة الوالدين بأولادهما تتسم بأنها ذات طبيعة زراعية،فإذا كانت نوعية الثمرة تعتمد على نوعية البذرة وطبيعة الأرض وأسلوب الزراعة،فكذلك نوعية الأولاد تعتمد - بعد توفيق الله - على دقة الانتقاء - ويستوي في ذلك اختيار كل من الزوجين لصاحبه ورفيق عمره - وجمال التربية وكمال الرعاية،وقد تطابق صحيح النقل وصريح العقل على تأكيد هذه الحقيقة،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من مولود إلا يولد على الفطرة،فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه". ولكن المجتمع يواجه - خصوصا في هذا العصر - مشكلة اجتماعية،ملخصها اعتقاد بعض الآباء والأمهات أن برّهما أمر مكفول مضمون،وأنه مهما فرّطا في تربية أولادهما فإن هذا التفريط لا يبرر أي عقوق منهم،غافلين وذاهلين عن تلك العلاقة المترابطة التي ذكرناها من قبل. ولقد اشتكى لي بعض الآباء عقوق أولادهم،فجلست مع بعضهم وتحدثت إليهم،فإذا في مكنون صدورهم آهات وأنات من سوء تربية وقسوة معاملة وتعمد إهمال،وكأن أولئك الأولاد يعيشون حالة يُتْم رغم وجود والديهم،فتيقنت من قول الشاعر: ليس اليتيم من انتهى أبواه مِن همِّ الحياة وخلَّفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي تلقى له أماٍّ تخلَّت أو أباً مشغولا وتذكرت القصة المشهورة أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب،يشتكي إليه عقوق ابنه له،فأرسل عمر إلى الابن،فأبلغه شكاة أبيه،فقال الابن: يا أمير المؤمنين،أليس للولد حقوق على أبيه؟ فقال عمر: بلى،فقال الابن: فما هي يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: أن ينتقي أمه،ويحسن اسمه،ويعلمه الكتاب - أي القرآن -،فقال الابن: يا أمير المؤمنين،فإن أبي لم يفعل شيئا من ذلك' أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي،ولم يعلمني من الكتاب حرفا،وسماني :جُعْلا - أي خنفساء -،فقال عمر - مخاطبا الأب -: جئتَ إليَّ تشكو عقوق ابنك،وقد عققته قبل أن يعقك،وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك. وأجد من المناسب أن أختم حديثي بهمسة في أذن من يسمع من الآباء والأمهات: الجزاء من جنس العمل،ويشهد له من القرآن قوله تعالى: "من يعمل سوءا يُجز به"'وقوله تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان". منافاة لمقصد الشرع من جانبه قال الباحث الشرعي الدكتور عبد الصمد محمد البرادعي: إن بر الوالدين من أعظم ما توجبه الشريعة، وتدعو إليه الملة، ويكفي في ذلك أن الله سبحانه قرن بين الأمر بعبادته وبين الأمر ببر الوالدين في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). وإذا تعارض بر الوالدين مع حقوق الله أو حقوق عباده مما أوجبه الشرع، فعند ذلك نخص الأمر ببر الوالدين بما ليس فيه معصية، أو بما ليس فيه تعارض مع مقصد آخر عظيم من مقاصد الشريعة، فنقول: على المؤمن أن يطيع والديه في كل شيء سوى ما فيه تضييع حق واجب لله أو حق واجب لعباده، وقد جمع الله جل وعلا بين الأمر ببر الوالدين وبين هذا التخصيص في قوله سبحانه: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا). وقس باقي الحقوق الواجبة على حق الله في عدم الإشراك به. وتابع البرادعي قوله: ولذا فإن مَنْعَ المرأةِ من الزواج من قِبل أبيها وهو ما يسمى بالعضل يصطدم مع مقصد من مقاصد الشريعة، وهو إعفاف المرأة، ومنحها حقها السامي في أن تعيش في ظل أسرة تضمها مع زوج وأولاد، ولو ذهبتُ أسرد ما يدل على أن الإسلام عني بتكوين هذه الأسرة عناية عظيمة، وشرَّعَ الكثير من الأحكام لضمان ذلك، لاحتاج الأمر إلى تدوين مئات الصفحات. وعليه فإذا تعارض بر الوالدين مع هذا المقصد العظيم من مقاصد الشريعة، فإن الأمر ببر الوالدين يبقى كما هو من جهة الأمر الأكيد به، ولكن نستثني منه حق المرأة في الزواج، فيحق لها أن تطالب أبيها بتزويجها، فإن لم يستجب فلها إذا استنفذت الحيل أن تطالب بنزع ولاية أبيها عنها، وتبره فيما سوى ذلك. وعلى القاضي إن يتحقق من هذا العضل، فإن ثبت لديه فعليه أن يُلزِم الأب بالتزويج، فإن أصر وتمادى فعلى القاضي أن ينقل ولايتها لأحد أقاربها الأكفاء، ويقدم الأقرب فالأقرب، أو يتولى هو تزويجها إن تعسر ذلك.وأضاف :وأرى أن سد الذريعة بالعمل على تزويج المرأة من أعظم ما توجبه الشريعة وتدعو إليه الفطر السوية. ودعا البرادعي المشرعين للقضاء ، أن يوجهوا المختصين في دواوين المحاكم، بأن يجعلوا للقضايا المعقدة وضعاً خاصاً، بحيث توضع على مسار خاص عالي السرعة، وبالذات في ما يتعلق بالقضايا المرتبطة بتدارك الحياة، وأي حياة أعظم من أن تدرك المرأة نفسها قبل أن يفوتها قطار الزواج وإنجاب الأولاد.