وهكذا ينصهر جسدي المربوع بقامته القصيرة بين الجموع حول مسجد جواثا ، وقد فرغ المصلون من أداء صلاة الجمعة ، فبدأنا نمشي في مناكبها ونأكل من رزقه سبحانه وتعالى ، بين بائع ذكي ، ومُتَبَضِّع قلق ، وساع (شريطي) يتذاكى على زبائنه ، وتاجر مفرق ، وتاجر جملة. .. بين حلقة شعر ، وتلاوة قصيدة عصماء .. وحلقة خطبة بليغة في النثر وفنونه ، وتأوه عاشق شاعر مهجور من ( ليلاه) ،أو (لبناه) .. أو (بثيناه). وأعرابي بسيط يحب حسناء من طرف واحد ، وانتظار مسافر . وبين ضجيج ، وبين همس . بين طعام مصنوع من سويق التمر الهجري ، وعجين من يد (جُواثاوية) ، وطعام وارد من تهامة و الحجاز أو من الروم وفارس والهند . بين فارسين يتباريان ويتدربان على الطعن وفنون النزال ، وشابين يحرسان قافلة قبيلتيهما .. ينصهر قلبي مع كل هذه الصور وغيرها في انسجام تام لا أكاد أصحو منه ، وعيوني ممتدة بقوة متناهية نحو تلك الساحة البيضاء التي تحيط بمسجد جواثى بالأحساء ، والتي استقبلت أقدام المصلين المؤمنين الذين لم يرفعوا ويا لعظمتهم سيفا ، ولا رمحا ، ولا سهما ، ولا حجارة ، ولم يطردوا خيلا ولا ركابا لحرب ، في وجه الدعوة المحمدية الإسلامية الطاهرة ، وهم خارجون للتو من مسجدهم المذكور بعد أداء صلاة ثاني جمعة صليت في الإسلام بعد المسجد النبوي الشريف في المدينةالمنورة ,,, هكذا نقل لنا التاريخ هذه المكرمة الروحية بأمانة ، وهكذا جادت السماء بها علينا .. فاجتمع في الأحساء ، ولأهل الأحساء فضيلتان خالدتان لا أخال أحدا ينافسها .. فيهما .: شرف الدخول في الدين الإسلامي .. سلما ، وما صاحب ذلك من إشادة نبوية من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأهل المشرق ، في حديثه المعروف ، وما يصاحب ذلك من دلالات تعكس الروح السلمية لإنسان (هجر)، و الأحساء .. وشرف المركز الثاني لصلاة الجمعة في الإسلام بعد المسجد النبوي ، وما له من دلالات كثيرة أيضا ، ومنها إبراز الجانب العملي للدخول في الإسلام .. أي أن أهل هجر و الأحساء لم يكتفوا بالدخول طوعا وحبا وتشرفا في الإسلام فحسب ، بل طبقوا ذلك عمليا بالتسارع بإقامة أول صلاة جمعة صادفتهم زمنيا بعد إسلامهم مباشرة في مسجدهم ، فأثابهم الله تعالى بما عملوا أن كتب ذلك لهم في تاريخهم ، وفي أعمالهم ولهذا .. أنت ترى أنه ليس بغريب على أهل جواثى أن يتقاطر الحب من بين ثيابهم ومناكبهم وعيونهم ، ويجنحوا للسلم في كل حياتهم وعصورهم ، إلى درجة قد يصفها الكثير ممن هم من خارج الأحساء بالطيب الزائد ( الطيبة ) ، والسذاجة الغبية .. لا .. هي ليست ذلك البتة .. فلا هي طيبة زائدة ، ولا سذاجة غبية بل أصالة كَوّنها الله تعالى مع الدم الأحسائي .. كل هذا يحدث في أُفُق ، وميدان حبيبتي جواثى التي استقر الأمر على أن يكون رسم كتابتها بالألف المقصورة ، لا الممدودة ، بحسب توثيق وبحث الدكتور علي المغنم في سِفْرِه القَيّم ( جواثى ومسجدها ) ، وإن كان بعض المؤرخين يرون أنها بالألف الممدودة . وأجدني أعزف بكل المعازف الموسيقية الطارفة والتليدة (أي القديمة والجديدة ) مرددا مع كل ( العبقسيين ) .. أي (العبد القيسيين ) أي أبناء القبيلة العربية البارزة ( عبد القيس ) التي كانت تقطن جواثى وهجر ، والمنتسب إليها يسمى ( عبقسي ، أو قيسي ).. اختصارا لكلمة (عبد القيس) . يحدث ذلك و أنا استحضر تلك الجموع السالفة وهي تحضن جموعا أخرى وفدت إليها أي إلى جواثى لتكوّن مجرّة إبداعية وتاريخية .. نجومها ، وكواكبها ، وشموسها .. هم هؤلاء الأهل والأحبة ولا أقول الضيوف الذين يشاركون جواثى عرسها الثقافي ، وهم يدخلون بوابة ( نادي الأحساء الأدبي ) من خلال ملتقى جواثى الثقافي الثالث الذي انبثقت فكرته في الحقيقة من رئيس مجلس الإدارة السابق الصديق الدكتور الأديب يوسف الجبر وفقه الله لكل خير. يحدث كل ذلك و جواثى من خلال ناديها الأدبي ترفع التحية والشكر والتقدير و الإمتنان لولاة أمر هذا الوطن الغالي المملكة العربية السعودية ، وحكومتنا الرشيدة التي ما فتئت تعمل بجد في إرساء دعائم الثقافة وتشجيع الأدب والأدباء والمفكرين ، وما المكرمة السخية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله للأندية الأدبية السعودية البالغة عشرة ملا يين ريال سعودي لكل ناد أدبي إلا صورة واحدة من صور الدعم الكثيرة لقطاع الثقافة والأدب والفكر في بلادنا العزيزة . وفي هذا السياق يتوجب تقديم الشكر والثناء كذلك إلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية ، وإلى نائبه صاحب السمو الأمير جلوي بن عبد العزيز بن مساعد على اهتمامهما بنادي الأحساء الأدبي ، وما لقي أعضاء مجلس إدارة النادي الحالية من اهتمام بالغ منهما أثناء تشرف أعضاء المجلس بزيارتهم لهما مؤخرا،في مكاتب سموهما بالإمارة بالدمام . ويتصل الشكر والتقدير بأجلى صوره لراعي حفل افتتاح ملتقى جواثى صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود محافظ الأحساء الذي يشرف حضوره الحفل ، والذي يحرص باهتمام بالغ ودائم على متابعة مناشط النادي وفعالياته ويمد أعضاء مجلسه بتوجيهاته القيمة . نعم .. أراني ألمح حبيبتي جواثى وقد تزينت لاستقبال أحبتها، وهيأت المشموم ( الريحان ) لتنثره عليهم ، وهيأت( التمر الخلاص الأحسائي ) الذي هو أطيب تمر في العالم .. لهم . وهيأت قبل كل شيء قلوب أبنائها لاحتضانهم .. وأرى وجهي يختفي مدفونا بين ثنايا وألوان رايات وأعلام الدول الخليجية والعربية الشقيقة التي تتشرف الأحساء بحضورها ومشاركتها .. رموز تعج بالضياء مهرولة إلى :المملكةالعربيةالسعودية فأهلا وسهلا ومرحبا بكم جميعا .. سعوديون ، وخليجيون وأشقاء عرب .. في نادي الأحساء الأدبي ، وملتقى جواثى الثقافي الثالث . أما أنت يا حبيبتي جواثى ويا حبيبتي الأحساء فأنت البقاء والإنسان والنخل والحب ..