هناك نوعان من السعادة، الأولى تنبع من الداخل أي من داخل ذواتنا والثانية تأتي من الخارج، ويعتقد الأديب والمفكر الفرنسي فردريك لونوار في كتابه (فن الحياة) أن معظم الألم والمعاناة التي يعانيها البشر نابعة من داخلهم، وذلك بسبب عدم التعامل مع ذواتهم ومع الآخرين بشكل صحيح، أو بسبب المفاهيم الخاطئة والأفكار السلبية التي يؤمنون بها، يقول «وجود الإنسان واقعة حقيقية، أما أسلوب عيشه فهو فن من الفنون». نقل إلينا لونوار من خلال تجاربه في الحياة ومن خلال قراءاته للحكم البوذية والإغريقية والإسلامية والمسيحية وغيرها بعض الأفكار التي تساعدنا على طريقة العيش الصحيح وعلى التخفيف من آلامنا ومعاناتنا في هذه الحياة. فبرأيه أنه يجب التسليم بحقيقتين الأولى هي أن هناك أمورا لا نستطيع تغييرها ويجب القبول والتسليم بها كما هي، مثل مكان ولادتنا وعائلتنا والعصر الذي نعيش فيه وشكلنا وجسدنا وقدراتنا وخصالنا وذكائنا وبعض الامراض التي تعترينا والشيخوخة وغيرها، فهذه الأمور يجب قبولها كما هي ويجب التسليم بها، أما الثانية فهناك أمور نستطيع تغييرها إذا عملنا على ذلك وهي مثل رغباتنا ومشاعرنا وطريقة تفكيرنا وتغيير آرائنا وغيرها من الأمور التي باستطاعتنا تغييرها. والمشكلة برأيه لدى معظم الناس هي محاولة تغيير الأولى وعدم العمل على تغيير الثانية. أما بقية فصول الكتاب فهي حثنا على تبني بعض المفاهيم والأفكار التي إن التزمنا بها سنعيش بشكل أفضل وسنواجه بعض المصاعب التي تعترينا بصدر رحب، ونظراً لضيق المساحة سنذكر بعضها مثل «الكل مسؤول عن حياته» و«الثقة وإرخاء القبضة»، وهي أنه يجب أن نثق في الحياة وأن ننظر إليها بشكل إيجابي وأن نرخي القبضة لها. ويستشهد لونوار بأبيقور أحد حكماء الإغريق حيث يقول «إن التمرد والتذمر لا يجديان نفعاً لأنه يستحيل علينا أن نحول من ناحية دون تنفيذ الإرادة الإلهية بينما تعرضنا الحياة من ناحية ثانية لتجارب ومحن ولكنها توفر لنا في الوقت عينه وسائل تذليلها» وأنه يجب أن لا نستسلم لهذه الحالة بل يجب علينا تقبّلها كما هي أو كما قال الفيلسوف الروماني سينكأ «لا تتوقف بل أنجز عملك وأد دور الإنسان الصالح» وأنه يجب أن لا نقلل من شأننا كما قال الاديب الفرنسي مونتين «يعتبر تحقير كياننا من أشد أمراضنا وحشية». وقبول الحياة كما هي لا يعني أن على المرء أن يرزح تحت وطأة حياته ويقبع في وضع استكانة تامة، بل على النقيض من ذلك إن قبول معطيات الحياة وتقبّل ما يجدّ فيها من حالات طارئة يحثاننا على الانخراط فيها بكليتنا أي الالتزام بمسؤولياتنا عن حياتنا، هذه المسؤولية لا تخصنا فقط إنما تخص كل ما له علاقنا بنا، وأستشهد بقول سارتر «عندما نقول إن الانسان مسؤول عن نفسه لا نريد القول إنه مسؤول عن ذاته فقط، وإنما مسؤول عن جميع الناس».