بجهد استقرائي بسيط، يمكن للراصد لساحتنا الأدبية، وبالذات الإبداع السردي، أن يواجه ظاهرة تداخل الأجناس الإبداعية وتلاشي الفواصل بينها وبالذات بين القصة القصيرة والقصيرة جدا أو الأقصوصة. وعندما نمعن في الاستقراء وتتبع الفارق بينهما، يقابلنا الجنس السردي بشكواه من ضيق الفرجة بين ساحتين حديثتين نوعا ما فرضتا حضورهما بهويتين جديدتين عندما خرجت القصة القصيرة من رحم الرواية، ثم لم تلبث هذه لعقود يسيرة من الزمن حتى تنازلت طوعا عن جزء من كينونتها ليلتصق بالأقصوصة. لحظتها صاحب هذا الجنس السردي الوليد جدال لم يخفت حتى الآن عن قواعد هذا الشكل الأدبي الحديث ومحدداته، بالإضافة إلى عامل اختلاف آخر أطل بوجهه مؤخرا، ويتمثل في ذلك النموذج الهجين والذي يأخذ من القصة القصيرة الأحداث وشيئا يسيرا من الحوارات، ومن الأقصوصة الاعتناء بالتجريد والومضة، أما حجم النص فهو وسط بينهما في طوله. فمجموعة القاص سامي الجريدي «فخ» يمكن لها أن تصبح شاهدا في بعض قصصها غيرالقصيرة جدا كنص «شيء لامس الأرض». ففي لحظة خاطفة من الزمن يسقط ذلك الشيء، ولن نعلق عليه، حيث المهم يكمن في مهارة القاص وقدرته على استطالة زمن السقوط، الذي لم يستغرق سوى ثانية من الوقت، لكن أثر تداعياته على الأنا الساردة طويل بتعدد صور الدهشة والتردد بين تكذيب السقوط أو اليقين به كما هي الحالة في تعدد زوايا النظر إلى شيء واحد. فبالرغم من إصرار القاص على المراوحة بعدم التقدم بالحدث لأبعد من فعل السقوط، فنجد أن حجم النص وصوت السارد ووجود الحوار الداخلي للشخصية يمنحون هذا النوع من النصوص صفة مغايرة عن الشكلين الأدبيين في السرد، فهل حان الأوان حتى نفرد اسما ثالثا بينهما وهو «القصة القصيرة نسبيا»؟