في ظاهرة ملفتة وتدل على اتساع مساحة «الخير» ونموه في مجتمعنا، تقدمت إحدى الجهات الصحية قبل سنة تقريبا بدعوة متطوعين للمشاركة في تنظيم فعالية توعوية ومهرجان يعنى بصحة الفرد، فما كان من قائمة الأسماء إلا وقد امتدت إلى الآلاف من الراغبين في المساهمة في ذلك النشاط، مما وضع القائمين على تنظيم المهرجان تحت وطأة الدهشة والارتباك؛ لأنهم كانوا يتوقعون العشرات فقط. هذا من جانب، أما الجانب الأروع، فهو وبالتوازي مع حملات البذل المادي والإغاثي من أفراد مجتمعنا والذين يتفاعلون معها بعطاءات سخية للفقراء والمعوزين، تنال المشاريع الثقافية حصة ملحوظة من ذلك وهي انزياحة مفاهيمية مهمة في مفهوم الخير تطال الإنسان لسد جميع احتياجاته المادية والروحية. أما التلازم بين العطاءين، المادي والثقافي، فهو من الدقة بحيث يصعب تغليب أي منهما دون الآخر، بل نجد أن أثر العطاء الثقافي يكون بعيدا ومتسعا باعتبار الفرد نواة تقوم عليها الأسرة ويمتد التأثير إلى المجتمع بأكمله. فالمادة الثقافية عندما تكون نابعة من مصدر أخلاقي، فهي بلا شك تهذب الإنسان وتقوم (بتمتين أحاسيسنا الأخلاقية، مثلما تسهم المتعة التي نجدها في فعل الخير وفي الحب) كما يقول الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريش شيللر. إذن، هذا هو العائد المباشر والنفعي من أثر الاستثمار الخيري في الفنون والآداب ونشرها في المجتمع، أما الجانب المعنوي منها فهو هذا الوعي الجميل بضرورة تبني مثل هذه المشاريع ونموه من قبل كوكبة مضيئة من رجالات مجتمعنا وبذلهم السخي في المجال الثقافي، هذا غير المؤسسات الخيرية التي تعنى بالثقافة وتوقف جهودها ومواردها عليها كمؤسسة مسك الخيرية عندما أضافت توطين التكنولوجيا واستحداث الفرص لتنمية المجتمع وإطلاق طاقات أفراده بشكل عام، وجميع ذلك يدل على أننا في المسار الحضاري الصحيح.