لم يبرح المشفقون على مكانة الشعر في عصرنا الحديث يتوجسون الخيفة وتستفزهم مقولة إن الشعر في طريقه إلى الانحسار بعد جدية منافسة الرواية له وذلك قياساً على جاذبية الرواية بالنسبة إلى دور النشر وميول القراء وتفضيلاتهم. فهذا الهاجس يأتي مدفوعاً بكتابات الكثير من النقاد المحليين والعالميين وأبرزها تشاؤما أكتافيو باث حيث يرى أن (كل حديث عن الشعر يجب أن يبدأ، أو ينتهي بسؤال: كم من الناس ما زالوا يقرؤون القصائد؟ ومن هم هؤلاء؟). سنؤجل الجواب عن تساؤلات الناقد والشاعر المكسيكي ونتقدم خطوات أبعد من طرحه بإضافة أسئلة أخرى نراها لا تقل أهمية عن ذلك وتعاضد هواجسه عن خفوت وهج الشعر من قبيل شكل ونوع القصيدة المهددة بالانحسار (حديثة أم كلاسيكية)، وأيضاً هل هذه الظاهرة خاصة برقعة جغرافية أم تشمل العالم أجمع؟ عند النقطة الأولى المثارة من قبلنا نرجع في جوابها إلى رأي الشاعر والناقد بير جيمفيرير والذي نستشف منه أن التراجع يخص القصيدة الحديثة وحدها باعتبارها نخبوية ووصف جمهورها ب«الأقلية الهائلة» كنوع من التفخيم: (إن إحدى السمات البارزة في الشعر الحديث هي إصراره على أن يظل فن الأقلية). أما عن نقطتنا الثانية والخاصة بالإقليم والثقافة فنرجعها إلى الواقع بمثالين يدحضان فرضية انحسار الشعر التقليدي وهما: مدينة «أيوا» الأمريكية ومهرجان الزواج الجماعي بقرية الرميلة في الأحساء. فمدينة أيوا تحتفل سنوياً بمهرجان شعري يطال جميع أرجاء المدينة ويلقي الشعراء قصائدهم على مدار أسبوع في مواقف الباصات والأسواق والمدارس.. ويتفاعل الجمهور باستمتاع مع القصائد الملقاة. أما في قرية الرميلة والتي زفت مؤخراً أربعين شاباً، فقد خصصت إدارة المهرجان الليلة بكاملها للشعر إلقاءً ومغنى حين شدت به حناجر العديد من شعراء المنطقة وفنانيها وكان الجمهور بتفاعله الشديد هو فارس الأمسية وبطلها. في الأخير يمكن لنا أن نستنتج هذه الفرضية: قد يفوق قراء الرواية نظراءهم قراء الشعر، لكن في الأمسيات والمهرجانات تكون الحظوة للقصيدة.