هناك من تصبحُ سِيرُهُم الذاتية صفحات من تاريخ بلادهم وأمتهم، فالحديث عنهم حديث عن مرحلة من مراحل التطور العلمي إذا كانوا علماء، والسياسي إذا كانوا ساسة، والأدبي إذا كانوا أدباء، وهكذا كان الأستاذ عبدالله الشباط رحمه الله تعالى في الجانب الصحفي خاصة، والأدبي بشكل عام. فقد بدأ رحلته الصحفية برئاسة تحرير صحيفة طلابية في المعهد العلمي، ومنها إلى إصدار مجلة بعنوان (هجر) طبعت في لبنان، وخرجت خارج أسوار المعهد، ويبدو من عنوان: مقالته فيها: (قبس من الضياء الجديد الذي غمر الكون في العهد الجديد) الحماسة المتوثبة لدى تلك الشبيبة، في ظل رعاية وتشجيع خاص من عدد من شيوخ المعهد آنذاك وعلى رأسهم مديره الشاعر عبدالله بن خميس رحمه الله. ولكن هذه المجلة الرائعة لم تتجاوز العدد الأول الذي صدر في محرم عام 1376ه، وكان حافلا بالمقالات الإسلامية، والتاريخية، والقصائد والقصص، وكان له أثر بالغ في تشجيع الطلبة حيث احتوى بواكير نتاجهم، وقد اطلعتُ عليه، واستفدتُ منه في تأريخ تلك الحقبة الرائدة. وممن برز في المعهد في تلك الفترة في مجال الشعر غير من ذكرت في المقالة السابقة الشيخ محمد بن عبدالله آل الشيخ مبارك ثم الشاعر يوسف بن عبداللطيف أبو سعد رحمهما الله، «وكان لبعضهم نشاط في الاتصال بالصحافة والنشر خارج المعهد، فقريء لهم شعر ونثر في مختلف الموضوعات»، كما ذكر الخميس نفسه في مقالة له في مجلة هجر. وهو الذي كان يتلقى بعضهم بعناية خاصة، «فيقربهم منه، ويحثهم على المطالعة في الكتب، ويدلهم على المنتخب الجيد من الشعر والأدب الرفيع، ولا يدخر وسعا في إسداء النصائح المفيدة، والتوجيهات الرشيدة، ويدفعهم إلى المشاركة في نادي المعهد» كما ذكر الأستاذ عبداللطيف بن عثمان الملا رحمه الله تعالى. بل كان يقرب بعض الطلبة المكفوفين حين يحس بموهبتهم الأدبية، ويقرأ عليهم بنفسه في فرص متنوعة، ويعطيهم بعض القصائد لحفظها كما ذكر لي ذلك الشيخ عبدالرحمن بن عثمان الملا، ليربي فيهم الذوق الأدبي، ويقوي ملكتهم الشعرية. بعد شهرين فقط من صدور هجر وتوقفها صدرت مجلة (الخليج العربي)، التي يذكر الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالكريم العبيد رحمه الله أنه صاحب فكرتها، وأنه اتفق مع الأستاذ الشباط على أن يشغل منصب سكرتير التحرير فيها، غير أن عمله الوظيفي حال دون ذلك، ورأس الشباط تحريرها، وكان سكرتير التحرير الأستاذ إبراهيم بن عبدالمحسن آل عبدالقادر رحمه الله، وجاء في العدد الأول: «إن الغاية من إصدار هذه المجلة خدمة الفرد والمجتمع في ضوء عناصر ثلاثة، هي تشجيع النشء، وإحياء الحركة الأدبية، وخدمة الفرد والمجتمع في ظل المثل العليا، بعيدا عن التكلف والمهاترة». ثم توقفت المجلة بعد صدور ستة أعداد فقط، ثم عاود الشباط إصدارها في شكل جريدة أسبوعية بالتعاون مع محمد أحمد فقي الذي رأس تحريرها، وأشرف على التحرير الأستاذ عبدالرحمن العبيد، فأصدروا العدد الأول في 1/1/1378ه، ثم باع الشباط امتيازها للأستاذ علي بوخمسين، واستمرت حتى نهاية عام 1382ه. وللحديث بقية.