لم تفق الساحة الثقافية والأدبية والفكرية من صدمة رحيل الرائد عبدالله عبدالجبّار مؤخرًا، حتى تكالبت عليها الأحزان يوم الأربعاء الماضي برحيل الأديب والإعلامي والمؤرخ عبدالله بن محمد بن خميس الكبير، شاعر الفصحى والنبط وأحد أدباء الجزيرة البارزين، وأحد باحثيها المعنيين بآدابها ومعالمها.. رحل ابن خميس بعد 92 عامًا قضاها في خدمة البحث والتأليف، أثرى من خلالها المكتبة العربية بالعديد من الكتب والأبحاث التي ما إن يصدر كتاب واحد منها حتى تتحول الساحة الثقافية إلى عمله ذلك للنقاش والمراجعة والمداخلة.. عشق اليمامة، ونجد فاحتضنه ثرى مقبرة العود بالرياض يوم الخميس الماضي.. سطور مضيئات وعند هذا الرحيل الفاجع، لن نجد غير سطور الذكرى لقراءة منجز الراحل الذي توزّع على نوافذ عديدة، قدم من خلالها عطاء عصيًّا على النسيان، ومن شاء الاطلاع عليها، فليقرأ معنا سطوره من مبتداها، فميلاده كان في العام 1339ه الذي وافق العام 1919م، بقرية الملقى، إحدى قرى الدرعية، وفي سن الطفولة انتقلت أسرته إلى الدرعية وبها تعلم مبادئ القراءة والكتابة ولازم والده الذي كان على جانب لا بأس به من العلم خصوصا في التاريخ والأدب الحديث وكان والده يعمل في النخيل، ومع ذلك لم تشغله المزرعة عن الاستفادة من والده وغيره فقرأ كثيرًا من كتب التاريخ والأدب والشريعة، وحفظ أجزاء من كتاب الله الكريم، ثم أدركته حرفة الأدب فانكب على دراسة أمهات كتبه وبدأ يشدو بنظم الشعر وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وكانت هذه دراسته الأولى التي تلقاها. ثم التحق الراحل ابن خميس بمدرسة دار التوحيد بالطائف في عام 1364ه/ 1944م، فبرز في الفنون التي سبق له الدراسة فيها وشارك مشاركة جيدة في الفنون الأخرى، وكان رئيس النادي الأدبي في دار التوحيد مدة دراسته بها، وبعد أن نال شهادة الدار الثانوية في العام 1369ه/ 1949م التحق بكليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة، وبرز نشاطه الأدبي شعرًا ونثرًا على صفحات الصحف والمجلات، ولمع اسمه هناك. وتتلمذ على أيدي الكثير من المشايخ من أبرزهم الشيخ عبدالله الخليفي، والشيخ عبدالله المسعري، والشيخ مناع القطّان، والشيخ محمد متولي الشعراوي وغيرهم من علماء الأزهر الذين قاموا بتدريسه في دار التوحيد وفي كليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة. فنال الشهادة الجامعية في العام 1373ه/ 1953م. نشاط عملي وإسهامات ثقافية وإعلامية: في نهاية عام 1373ه/ 1953م عين مديرًا لمعهد الإحساء العلمي فأبدى هناك نشاطًا علميًّا وأدبيًّا وأداريًّا. وفي عام 1375ه/ 1955م عيّن مديرًا لكليتي الشريعة واللغة بالرياض. وفي عام 1376ه/ 1956م عيّن مديرًا عامًا لرئاسة القضاء بالمملكة العربية والسعودية. وفي عام 1381ه/ 1961م صدر مرسوم ملكي بتعيينه وكيلًا لوزارة المواصلات في المملكة العربية السعودية. وفي عام 1386ه/ 1966م عيّن رئيسًا لمصلحة المياه بالرياض. وفي عام 1392ه/ 1972م قدم عبدالله بن خميس طلبًا للإحالة للتقاعد للتفرغ للبحث والتأليف. وخلال مسيرته تمتع ابن خميس بعضوية عدد من المجامع اللغوية العربية من بينها، عضويته في مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي العراقي، كما كان عضوًا في مجلس الإعلام الأعلى، ومجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، ومجلس إدارة المجلة العربية، ومجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، وجمعية البر بالرياض. كما يعد أول رئيس للنادي الأدبي بالرياض، وكان نائبًا للأمير سلمان بن عبدالعزيز في اللجنة الشعبية لرعاية أسر ومجاهدي فلسطين، وفي عام 1379ه/ 1959م أصدر مجلة الجزيرة ويعتبر من مؤسسي الصحافة في المملكة العربية السعودية، وفي نجد على وجه الخصوص، وقد تحولت مجلة الجزيرة بعد ذلك إلى جريدة يومية، وقد مثّل المملكة العربية السعودية في عدة مؤتمرات أدبية وعلمية، وله العديد من المشاركات الإذاعية والتلفزيونية ومنها برنامجه الإذاعي «من القائل» الذي استمر لمدة أربع سنوات، وبرنامجه التلفزيوني «مجالس الإيمان»، وقد نشرت له الصحافة السعودية والعربية العديد من البحوث والمقالات. وقد حاز على جائزة الدولة التقديرية في الأدب في عام 1403ه/ 1982م. كما منح وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى في الشخصية الثقافية المكرمة في مهرجان الجنادرية السابع عشر وذلك عام 1422ه/ 2002م، وحصل على وسام تكريم وميدالية من مجلس التعاون الخليجي في مسقط عام 1410ه/ 1989م، وحصل على وشاح فتح وميدالية من منظمة التحرير الفلسطينية، كما حصل على وسام الشرف الفرنسي من درجة فارس قلده إياه الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتران)، وقد حصل على وسام الثقافة من تونس قلده إياه الرئيس الحبيب بورقيبة، وشهادة تكريم من أمير دولة البحرين صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بمناسبة الاحتفاء برواد العمل الاجتماعي من دول الخليج وذلك عام 1407ه/ 1987م، كما حصل على العديد من الجوائز والميداليات في والشهادات والدروع في محافل ومناسبات عديدة، ومثل المملكة العربية السعودية في عدة مؤتمرات أدبية، وكان الشعر من أهم الجوانب في حياته الاجتماعية فينظم الشعر في أغلب المناسبات الوطنية والعربية والإسلامية وكانت المساجلات الشعرية والإسلاميات والفلسطينيات وشعر الطبيعة والمراثي من أهم قصائده الشعرية.. ولأدب الرحلات في حياة عبدالله بن خميس وضع وموقع مهم وقد قام برحلات في شبه الجزيرة العربية كاملة مما يجعلنا نجزم أنه لا يوجد شبر في الجزيرة العربية لم تطأه قدم عبدالله بن خميس، وقد قام بزيارة لمعظم البلاد العربية من المحيط إلى الخليج إضافة إلى زيارته لبعض البلدان في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. إنتاجه العلمي والبحثي: أثرى الراحل المكتبة العربية بعشرات الكتب في الأدب والشعر والنقد والتراث والرحلات، وصال وجال في الصحافة والمنتديات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها، فمنها: تاريخ اليمامة في سبعة أجزاء، والمجاز بين اليمامة والحجاز في جزء واحد، وعلى ربى اليمامة جزء واحد، ومن القائل في أربعة أجزاء، ومعجم اليمامة جزآن، ومعجم جبال الجزيرة في خمسة أجزاء، ومعجم أودية الجزيرة جزآن، ومعجم رمال الجزيرة جزء واحد، وكتاب عن راشد الخلاوي في جزء واحد، والشوارد في ثلاثة أجزاء، ومن أحاديث السمر جزء واحد، والدرعية جزء واحد، وشهر في دمشق جزء واحد، ومحاضرات وبحوث جزء واحد، ومن جهاد قلم جزء واحد، وفواتح الجزيرة جزء واحد، وأهازيج الحرب أو شعر العرضة جزء واحد، والأدب الشعبي في جزيرة العرب جزء واحد، وبلادنا والزيت جزء واحد، والديوان الثاني جزء واحد، ورموز من الشعر الشعبي تنبع من أصلها الفصيح جزء واحد، وجولة في غرب أمريكا جزء واحد، وتنزيل الآيات - شواهد الكشاف جزء واحد، وإملاء ما من به الرحمن جزآن، وأسئلة وأجوبة في جزء واحد. دور بارز في «هجر» ولعل إسهام الراحل ابن خميس في مجال الصحافة وبخاصة دوره في تأسيس مجلة «هجر» قد كشف عنه الباحث محمد القشعمي في كتابه «البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية» (المنطقة الشرقية) حيث يقول القشمعمي: صدر العدد الأول من مجلة «هجر» في المحرم عام 1376ه مطبوعًا في مطابع المصر ببيروت رئيس التحرير هو عبدالله بن خميس، وسكرتير التحرير عبدالله شباط. وتحمل في وصفها مجلة اجتماعية أدبية شهرية، ويصدرها النادي الأدبي بمعهد الأحساء العلمي بالمنطقة الشرقية. وكتب رئيس تحريرها مقالة بعنوان «أول الغيث» ومما جاء فيها: أينما حللت في جزء من أجزاء هذه المملكة تجد أمامك طائفة من شبابه الحي المتيقظ وتسمع ذكر الوطنية والعروبة، وذكر الأمجاد والتغني بالآباء والأجداد.. وتشعر أن هذا شعور له ما بعده، ووعي سيبلغ مداه.. ولكن هل من الممكن أن يوجد شباب من النور الأول تلقائيًا وبدون عمل كبير لإيجاده أمام هذه الأجواء الصاخبة، والتيارات المتلاطمة، والمبادئ المغرية التي كلها تتجاذبه وتجره إليها وتسير في طريق معاكس مع المبدأ الذي نرمي إليه..؟! إننا نحاول عبثًا إن رحنا نبحث عن هذا النوع من الشباب قبل أن نعمل الأسباب لإيجاده..؟! ففكر المسؤولون في إنشاء مؤسسات علمية توضع لها برامج خاصة تجمع بين دراسة العلوم الدينية واللغوية دراسة قوية متينة مركزة.. وما معهد الأحساء إلاّ واحد من هذه المعاهد في كل ما يكتنفها من ظروف وملابسات.. ولقد عمل أول ما عمل على تغذية الشعور العلمي والأدبي، وعلى إيجاد روح قوية بين الشباب، وألفة وثيقة في صفوفهم بدأت باجتماعات خارجية ورحلات ثم نشأت فكرة إيجاد ندوة أدبية تكون مسرحًا لأحلامهم وميدانًا لتنافسهم ونشر أفكارهم وآرائهم ووسيلة لإنارة الرأي العام في هذه البلاد من الناحية الاجتماعية والعلمية والأدبية والصحية. تكريم مستحق حظي الراحل الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس في حياته وبخاصة في السنوات الأخيرة بالتكريم من قبل جهات عديدة؛ فقد نال الراحل على مدار حياته الحافلة العديد من الجوائز والتكريم منها جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1982، كما منح وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى في الشخصية الثقافية المكرمة في مهرجان التراث والثقافة (الجنادرية) السابع عشر عام 2002، وحصل أيضًا على وسام تكريم وميدالية من مجلس التعاون الخليجي في مسقط عام 1989، ونال وشاح فتح وميدالية من منظمة التحرير الفلسطينية، ووسام الشرف الفرنسي من درجة فارس قلده إياه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، ووسام الثقافة من تونس من الرئيس الحبيب بورقيبة، وشهادة تكريم من البحرين عام 1987. ومن أواخر الجهات التي كرمته النادي الأدبي بالرياض وذلك في منتصف شهر صفر الماضي وأحيت ليلة ثقافية حملت عنوان: «ليلة ابن خميس الثقافية»، والاحتفاء بصدور كتاب يحمل عنوان: «عبدالله بن خميس قراءات وشهادات»، وهو من أسس هذا النادي في عام 1395ه. وفي العام الماضي كرمه منتدى بامحسون الثقافي وبرعاية وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، وذلك بمركز الملك فهد الثقافي وبحضور أكثر من 500 شخصية ثقافية. ويعد الأديب الشيخ عبدالله بن خميس أحد رواد الصحافة والأدب بالمملكة، فأسس عام 1960 مجلة الجزيرة والتي تحولت إلى صحيفة بعد ذلك، وبمناسبة تكريمه في تلك الليلة قال الأديب ابن خميس: نحمد الله أن قيد لهذه الأمة من رجالاتها، من يعنى بالأدب والفكر وينزلهما المنزلة المستحقة، ويكرم من أعطى وبذل في هذا الميدان، وقدم عصارة فكره ودفق قلمه عبر سنين طوال في سبيل رفعة شأنها وعلو مكانتها. وأضاف ابن خميس في حديثه أن الدكتور عمر بامحسون سواء عبر منتداه الثقافي أو عبر تكريمه لشخصي إنما يعكس نموذجا نبيلا وحسنا لشجرة طيبة من هذا الوطن، تفيء بظلالها على دروبه ومسالكه، ولن نغفل حقه من الثناء هو وعدد من أصحاب المنتديات الثقافية الذين أشرعوا منازلهم وصدورهم لاحتضان الأنشطة الفكرية والثقافية التي تسهم في إثراء الأدب والفكر والعناية بحقوله وري أشجاره ورموزه. وتناول عدد من المحتفين في أوراق بحثية الأديب المحتفي به بدءا من صاحب المنتدى الدكتور عمر عبدالله بامحسون وراعي المنتدى عبدالله باحمدان، كما تناولت هيا السمهري «ابن خميس حياته المبكرة»، والدكتور محمد الربيع «ابن خميس أديبًا» والدكتور عبدالرحمن الشبيلي «ابن خميس إعلاميا» إضافة إلى مشاركة الدكتور عبدالعزيز الخويطر.