كل يغني على ليلاه متخذا ليلى من الناس أو ليلى من الخشب لم ينس الشعر قلبا عربيا واحدا لم يزرع فيه شجرة اسمها ليلى، تدلت من أغصانها ألوان من الأساطير، وغردت من حولها الأمنيات زرافات ووحدانا، حتى أن بعضهم يسمع سلامها وهو في قبره: ولو أن ليلى الأخيلية سلمت علي ودوني جندل وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح غير أني هنا لا أقصد ليلى هذه التي عراها الشعراء والمجانين في وديان الغزل أو متاهاته، إني أقصد ليلى ذات الحجاب التي هي «الحقيقة» كل يدعي أنه يحب الحقيقة ويزعم أنها تكشف عن وجهها، بل تمز في حجابها حين ترى طلعته البهية، وهذا ما عبر عنه أحدهم: وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا نعم، لقد زعمت كل فئة من بداية التاريخ وحتى آخره أن الحقيقة تسكن في «حارتهم»، الفلاسفة وعلماء الطبيعة والفقهاء والأدلوجيون.. في حين أن الحقيقة تسكن في كل حي، وأن الادعاء بأنها تسكن في حي واحد هو بهتان وتزوير. الوصول إلى الحقيقة هو الهدف لجميع الباحثين عن المعرفة في جميع الحقول، وهي باختصار مطابقة الفكر للواقع، وهي موجودة سواء أدركناها أم لم ندركها، ولكن ما الطريق إليها؟ هذا هو السؤال/ العقدة: فكل في ميدان الأدلوجيات يعتقد بيقين أن الحقيقة هي التي وصل إليها، أما الأدلوجيات الأخرى فهي كاذبة. «متى أرى وجهي؟» هكذا صرخ جلال الدين الرومي، وهي امتداد لصرخة سقراط «اعرف نفسك» وأكثر متابعة فهو أي الرومي يقول: «أدق بابا فيفتح، ثم أدق عليه من الداخل» وإذن أين الطريق؟ ديكارت والغزالي اعتبرا أن الطريق هو الشك، وليام جيمس وأتباعه من الفلاسفة الأمريكيين اعتبروا أن الحقيقة هي المنفعة، الصوفية اعتقدوا أن الطريق هو المجاهدة حتى الوصول إلى مرحلة الإشراق، الفلاسفة المسلمون انقسموا: فالكندي آمن بثنائية الحقيقة، في حين اعتبر الفارابي أنها واحدة، وهكذا الحقائق موجودة ولكن الطريق إليها هو مربط الاختلاف. الموضوع معقد، يحتاج مقالات، غير أني اعتقد مع محمود درويش: «الحقيقة بيضاء فاكتب عليها بحبر الغراب والحقيقة سوداء فاكتب عليها بضوء السراب».