ولو أن ليلى الأخيلية سلمت.. علي ودوني جندل وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا.. إليها صدى من جانب القبر صائح فهل تبكين ليلى إذا مت قبلها.. وقام على قبري النساء النوائح كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها.. وجاد له دمع من العين سائح جاسم الصحيح: ربما لم ينقل لنا الكثير عن «الزوجة الملهمة» حتى في تراثنا الأدبي هكذا جاءت ليلى الأخيلية في إحدى قصائد زوجها توبة الخفاجي، في واقع موضوعه حياً.. وفي خيالاته الشعرية بعد موته! لنجد أن حضور الزوجة في النص الأدبي وخاصة الشعري منه حاضرة موضوعا.. وقيمة.. وإلهاما.. وجمالا من جماليات النص الإبداعي.. مقارنة بالنص الحديث الذي تحضر فيه الزوجة بوصفها مما اعتادت الحياة الزوجية حضوره، ليظل مد المرأة مهيمنا على فضاء نصوص الزوج الذي تمتد في نصوصه وبين ثنايا أوراقه امرأة لا وجود لها إلا في مداد أوراقه.. و"ثقافة اليوم" في هذا التحقيق تتابع حضور (الزوجة) في النص الإبداعي الحديث، لتتعرف عن واقع هذا الحضور، وحدوده، ومحدداته. زينب غاصب: الزوجة تظل ملهماً جوهرياً للإبداع.. وموضوع مهدر عند الكثيرين يقول الشاعر والناقد الدكتور صالح بن سعيد الزهراني: مما لا شك فيه أن المرأة عامة والزوجة خاصة مصدر جوهري من مصادر الإلهام عند المبدع، ومع أنه في اعتقادي بأنه لا يمكن أن نعمم غياب الزوجة في نصوص المبدعين بشكل كامل فيما نقرأ من نصوص إبداعية عن خيال المبدع ولا عن إبداعه، لكون الشعر العربي الحديث - مثلا - يقدم لنا عددا من النماذج التي نجد فيها الزوجة حاضرة فيما يبدعه الزوج، حتى أننا نجد - أيضا - أن بعض تلك النصوص - تعتبر من النصوص المضيئة في هذا الباب وخاصة عند كبار الشعراء في العصر الحديث كما هو الحال في نصوص أمل دنقل، ومحمد رجب البيومي.. ومع أنني أقول بحضور الزوجة في هذا الجانب، إلا أنه حضور ليس بذلك الذي يجعل من (المرأة/ الزوجة) مجالا خصبا للتأملات. د. صالح الزهراني: ما تزال سيطرة« العقلية العشائرية» مهيمنة على المبدع العربي! وأضاف د. الزهراني قائلا: من الجانب الجمالي لحضور المرأة في حياة المبدع من حيث كونها قريبة من (الرجل/ الزوج) فإنه ينطبق عليها أي قيمة جمالية أخرى يألفها الإنسان، فلا يشعر بقيمتها، ولعلي هنا أتذكر قول جميل بن معمر: يموت الهوى مني إذا ما لقيتها .. ويحيا إذا فارقتها ويعود.. مشيرا د. الزهراني إلى أن القضية الآخرى - على حد تعبيره - بأنها تتمثل فيما يؤسف له بأن سيطرة العقلية العشائرية على المبدع العربي ما تزال ذات تأثير كبير واضح على (لا وعيه) لنجد أن بعض الشعراء يرى أن حضور الزوجة في قصائده مما لا يتقبله المتلقي تقبلا جماليا، لكون المتلقي ينظر إلى حضور الزوج في نص زوجها من باب "المجاملة" أو من باب "التزين" وهذا ما يفقد حضور الزوجة في إبداع زوجها قيمته الجمالية. زينب غاصب من جانب آخر أكدت الشاعرة زينب غاصب، وجود تناقض كبير فيما نجده من حضور للزوجة في نص المبدع وخاصة في مجال الشعر قائلة: عندما نقارن حضور الزوجة في القصيدة في العصر الحديث مقارنة بالشعر العربي في مختلف عصوره بصفة عامة، فإننا نجد الزوجة - على سبيل المثال- حاضرة في قصائد زوجها على المستوى الحقيقي الحياتي بما يعايشه من هموم الحياة وعلى مستوى خيالاته الشعرية، لنجد الكثير من الأمثلة في الأدب العربي في هذا المجال الذي تتجسد فيه معالم الزوجة الشريك والخيال والملهمة للقصيدة كما هو الحال عند حاتم الطائي، وعند جرير،وغيرهم، بينما لا أجد في الوقت الحاضر إلا القلة مقارنة بما عرفناه عن حضور الزوجة في دواوين الشعراء المعاصرين، على أنني في المقابل أجد من احتفى بزوجته إلى درجة كبيرة، فلقد وجدت من خلال قراءتي لعدد من المبدعين الذين كتبوا عن زوجاتهم أنهم أشادوا بهن على مستوى الحقيقة وتغنوا بما أسهمن به دروب الحياة مع أزواجهن. د. صالح الزهراني واختتمت غاصب حديثها مشيرة إلى أن غياب الزوجة عن نص المبدع في النصوص الحديثة اليوم، يعود إلى عدة أسباب، يأتي في مقدمتها العادات القبلية التي ما تزال تسكن مؤلفي النصوص بمختلف الفنون الأدبية، إضافة إلى تراجع دور المرأة في حياة الرجل عما كانت عليه في العصور السابقة وبمساعدة واختيار منها، لتسجل الغياب الحقيقي والخيالي الملهم في حياة زوجها حتى فيما يكتب، إلى جانب أن هناك من تكون نظرته سلبية تجاه المرأة فيما يكتب حتى وإن كانت زوجته، إضافة إلى ما تجده من قراءات لنقاد رؤيتهم - أيضا - سلبية عن المرأة، مما يغيب المرأة عن النص تماما، حتى وإن وجدت على هامش أفكاره.. إلا أن الزوج الذي يبدع نصا ما شعرا كان أو رواية أو قصة أو خاطرة، يهدر في تحييد زوجته عن نصوصه الإبداعية موضوعا إبداعيا هاما سواء على مستوى حقيقة الموضوع، أو على مستوى خيالاته لكون المرأة وخاصة الزوجة تظل ملهما جوهريا للإبداع. أما الشاعروالكاتب جاسم الصحيح فاستهل حديثه قائلا: رغم طرافة هذا الموضوع، لما يمثله في حياتنا الإبداعية، إلا أنه - أيضا - من الطرافة إنه يعيدنا إلى أسئلة جوهرية في تراثنا الأدبي بصفة خاصة والتراث العالمي - أيضا - بصفة عامة، إذ يعيدني هذا الموضوع إلى العصر اليوناني وتحديدا عندما أتذكر على سبيل المثال لا الحصر في هذا السياق مقولة سقراط التي يقول فيها: "تزوج فإما أن تسعدك زوجتك.. فتكون سعيدا، أو تتعسك فتحولك إلى فيلسوف" حيث يقال إن سقراط كان تعيسا جدا مع زوجته مما أحاله إلى فيلسوف، وإن كنا لا نستطيع أن نسلم بهذه الحكاية مطلقا، إلا أن التعاسة الزوجية ربما لامست الكثير في حياة سقراط مما جعله فيلسوفا عالميا. أما عن التراث العربي، فيشير الصحيح إلى أن موضوع صورة الزوجة فيه ربما لا نجدها على إطلاقها - أيضا - من حيث كونها تمثل مصدر سعادة، أو مصدر للشقاء من زاوية أخرى.. مشيرا في حديثه إلى أن قراءة التراث العربي في هذا السياق يعكس لنا صورة سلبية، حيث إنه يصور الكثير من الزوجات دائما ما يظهرن في صورة "التناقض" مع أزواجهن وخاصة الشعراء، لكون الشعر ديوان العرب، وبوصفه الفن الأدبي السائد في حياتهم الأدبية على مر العصور. وختم الصحيح حديثه عن جانب شيوع الصورة السلبية المتناقضة مع الزوج الشاعر - تحديد - قائلا: في رأيي أن الصورة المتناقضة لصورة الزوجة مع الزوج الشعري بصفة خاصة، ربما يكون مردها أن التراث الأدبي فلربما اقتصر عرضه لنا على الجوانب السلبية أكثر من الإيجابية التي تأتي أقل، والتي - أيضا - لم يسجل الكثير من الانطباعات الإيجابية عنها في نصوصنا الإبداعية.. إلا أننا نجد في المقابل وفي أدبنا الحديث حضور الزوجة رغم قلته، فعلى الرغم من ندرته إلا أنه يشكل صورة إبداعية رائعة وخاصة في تلك الصور التي يكون فيها الزوجة والزوج مبدعين، حيث يتضح العمل الإبداعي بينهما بانسجام على صعيد إبداعي يشكل تناغما إبداعيا جميلا.