استكمالا لما ورد بالمقال السابق، من أن كثافة زوار المعارض لا تعني بالضرورة وقوع الأثر المساهم في تغير المجتمعات، وذلك ما لم تتوافر عوامل أخرى. فرغم أهمية القراءة بإثراء المجتمعات، إلا أنها تأتي ضمن كتلة عناصر تدعم سيرورة التغير، القائم على مسار أولي يشمل الأفراد، ولاحقا يتمدد ليكون واقعا جديدا يضاف لبقية موجات التغيير في المجتمعات. وتعتبر الحرية الملتزمة هي أيقونة الأثر في توفير أرضية التغيير، وهذا لن يقع ما لم يكن المناخ العام يكفل ذلك، بحيث تتوافر كحق أصيل بموجب قانون يتم التوافق على ما له وما عليه. وهذا يدخلنا إلى أن معارض الكتب يجب أن تكون ميدانا واسعا متعدد الخيارات، ومن حق كل قارئ/ة أن يقتني ما يناسبه، دون وصاية من المنظمين أو طرف اجتماعي. إذ إن هذا التصرف يعتمد مبدأ التوجيه الفكري والثقافي الفج والمباشر، بحيث تكون القراءة مسخرة لخدمة نمط وسمة محددة بعينها. ومن نافلة القول، التذكير بأن هذا التصرف عفى عليه الدهر، فقنوات الحصول على المعلومة لم تعد حكرا على منصة تنظمها جهة رسمية، فالعولمة قلبت المعادلة بكل تبعاتها السلبية والإيجابية. ولكي نجني الأثر يجب أن يتبع ذلك السماح من جهة، ومبادرة المثقف من جهة أخرى، بفتح أفق المناقشات مع أطياف المجتمع. فمن خلال أي استقراء تاريخي لتغير المجتمعات سنجد أن النخب المثقفة تتولى زمام أطروحات التغير، ولكنها أبدا لا تنطلق بفعل التغيير دون وعاء اجتماعي يحتوي هذه الأطروحة ويؤمن بها. ما سبق ليس وصفة متحفية، ولكن خارطة طريق مستوحاة من تجارب متعددة لوقوع التغيرات عبر منصات الثقافة وأدواتها، ودونها سنظل في الوطن العربي نفاخر بكثافة الزوار كمؤشر منفرد لا دلالة عميقة له.