عندما تقام معارض الكتب بالوطن العربي، يسارع المتابعون من أهل الثقافة والإعلام لمحاولة تفسير ظاهرة كثافة الزوار للمعرض، وربطها بالآثار التي من الضروري أن يتركها شراء الكتب في أفكار وسلوكيات الأفراد، ومدى التغيير الذي سيطال المجتمعات بعد انتهاء هذا المحفل. وبحكم أننا سنعيش خلال الأيام القليلة القادمة أجواء معرض الرياض الدولي للكتاب، فسنقوم بعملية استباقية لمناقشة موضوع أثر معارض الكتب في الشعوب. بداية، يجب التأكيد على أن أي حراك ثقافي يعتبر مؤشرا إيجابيا في سيرورة المجتمعات والأمم، وشواهد ذلك كثيرة في قيام أهل العلم بدورهم ومسئوليتهم في التغيير. وبلا شك فإن معارض الكتب تعتبر تجمعا ثقافيا اذ يفد إليها الجموع من أجل اكتساب المعرفة، ووسيلة للاطلاع والتواصل. لكن ما يجب لفت الانتباه إليه هو التفرقة بين ثلاثة مستويات.. الأول: أن كثافة الحضور لا تعني بالضرورة استهداف الكتاب من أجل القراءة، إذ تحولت معارض الكتب إلى كرنفال تتم زيارته عند بعض الفئات بقصد الترويح عن النفس أو مقابلة الأصدقاء الذين يفدون إليه بشكل سنوي من مناطق بعيدة. أما المستوى الثاني: فإن شراء الكتب بحد ذاته لا يرجى منه أن يترتب عليه تغير جذري عند أغلب الشخصيات، بخاصة بعض العلوم التي هي بحاجة لاستقراء تاريخي ومنهجي لا يتوفر في كتاب منفرد أو لدى كاتب بعينه. أخيرا، المستوى الثالث: وهو متعلق بنوعية الكتاب وربطه بالتغير والأثر، إذ إن غالب الكتب لا يرجى منها تغيرا مفاهيميا وقيميا بشكل عميق، فبعضها يوفر المتعة بالمقام الأول كالأدب، وبعضها وظيفته زيادة قدر المعلومات دون تحليل ونقد كالمعاجم والتراث.. وقس على ذلك. وسنحاول في المقال القادم الربط بين المستويات الثلاثة ومسألتي الأثر والتغيير الثقافي المرجوة من معارض الكتب.