قيل: «في عُمر العشرين، يستولي علينا التفكيرُ حول نظرةِ النَّاس إلينا، وفي عُمر الأربعين لا يعنينا كثيرًا كيف ينظرونَ إلينا أو بمَ يفكرونَ، وفي السِّتين نكتشفُ أنه لا أحد كان ينظرُ إلينا!». عُرِفَت عبارةُ «الحياة تبدأ في الأربعين» من والتر بيتكين، الفيلسوف وعالم النَّفس، عندما جاءت عنوانًا لكتابه الذي صدرَ عام 1932. ولكنه لم يكن مُبتكِر هذه العبارة التي يتداولها الناسُ حتى يومنا هذا. ويعود سببُ انتشارها إلى توقيتها؛ حيث مثَّلت تلك الفترة مرحلة جديدة في متوسط العمر المتوقع، إذْ أصبح عُمر الشخص المتوقع ستين عامًا، بعد أنْ كان أربعينَ في 1880، وهي الفترة التي وُسِمتْ أيضًا بفكرة أنَّ «الحياة تنتهي في الأربعين». أما اليومَ، فقد أصبح سنُّ الأربعين، محطةً للمتأملين، وموعدًا يفترق عنده المتشائمون والمتفائلون. وأصبحت عبارة «منتصف العمر» من ضمن أدبياتِ علم النفس والأدب والعلوم، كونها مرحلة تثيرُ الكثيرَ من الذكرياتِ والشجون والآمال، وكذلك القلق. ففي كتاب «أربعون: في معنى أنْ أكبر» وضعَتْ ليلى الجهني، عبارة (إنني أكبر) في بداية كلِّ خاطرة من خواطرها الثماني والعشرين. ومع أنها صارَت أقلَّ حزنًا وقلقًا وأكثرَ سكينة، كما تذكر، إلَّا (إنني أكبر) كان معها وهي تميلُ للصَّمت أكثر فأكثر، أمَّا فُوز العتيبي، فقد كانت ترى تلك الفرصَ، و«شمس الأحلام السعيدة» التي تنتظر العابرين لعتبة الأربعين في كتابها «بعد الأربعين تبدأ الحياة». ولم يسمح ستانلي برانديس، أستاذ الأنثروبولوجيا، لعُمر الأربعين أنْ يمرَّ مرور الكرام، بل قدَّم أطروحته الموسعة «الأربعون: العمر والدّلالة»، التي تناول فيها دلالاتِ هذا العمر المميَّز، وخلفيَّته التاريخية، والسياقاتِ المرتبطة به من الناحية الأنثربولوجية، والنفسية، والاجتماعية، والديموغرافية، والاقتصادية. وبعد أن اطّلَعْتُ على عددٍ من خواطر وتأمُّلات حول سنِّ الأربعين، بل ودراسةٍ عنها، أميلُ إلى القول إنَّ الحياة لا تبدأ في الأربعين، بل إنَّ الحياة تتكئُ على الأربعين؛ تتكئُ على خبراتِ هذه السنِّ وما فيها من وعي وواقعية.