يخلط الناس كثيرا بين سن التقاعد عن العمل وسن التقاعد عن الوظيفة. سن التقاعد عن العمل هو السن الذي يتوقف فيه الانسان عن الانتاج بسبب عجز بدني، اما التقاعد عن الوظيفة كما اقرته كثير من الأنظمة الحديثة وهو بلوغ الانسان سن 60 او 65، وكانت المانيا اول دولة تعمل بهذا النظام وكان ذلك في سنة 1880م. وقد نتفق او نختلف على العمر المحدد للتقاعد عن الوظيفة إلا ان هذا يختلف من مجتمع الى آخر، بل يختلف بين الجنسين المرأة والرجل. لكن نتفق جميعا ان سن الستين هو عمر مازال قابلا للعطاء والانتاج وان كان بطريقة مختلفة، فالإنسان يختلف في مقدرته على العطاء في كل مرحلة عمرية، فاذا قلنا ان سن الدخول الى العمل يبدأ من العشرين الى الثلاثين فهذا العمر يكون قادرا على العطاء الذهني والجسدي وتلقي الاوامر والتعليمات لكنه يفتقد الخبرة والتجربة، اما عمر الثلاثين الى الاربعين فهو يكون اكتسب بعض الخبرة والمعرفة وبالتالي يتحول من متلقي للأوامر الى مشرف على تطبيق الاوامر والتعليمات وهي افضل مرحلة لممارسة المهام التدريبية والإشرافية. اما عمر الاربعين الى الخمسين فعادة يكون قد اكتسب خبرة ومعرفة تؤهله الى اتخاذ القرارات المهمة والاستراتيجية ووضع الأنظمة والقوانين التي تواكب العصر. اما عمر الخمسين الى الستين فهو افضل عمر بالتحول الى مستشارين لمتخذي القرارات وواضعي الانظمة والقوانين. اما ما فوق الستين فهم الفئة الاقدر على محافظة المجتمع على مبادئه وقيمه وهويته، وبالتالي ان من تجاوز الستين مازال دوره مهما في المجتمع والدورة الاقتصادية. كما ان ديننا الحنيف لم يحدد سناً تسقط عنه تكاليف الدينية والدنيوية مادام يتمتع بصحة عقلية وجسدية. فقد حض الاسلام على العمل مادام الانسان قادراً. يروى ان رجلاً مر على ابي الدرداء الصحابي الزاهد رضي الله عنه فوجده يغرس جوزة وهو في شيخوخته وهرمه فقال له: «اتغرس هذه الجوزة وانت شيخ كبير وهي لا تثمر الا بعد كذا وكذا عاما». فقال ابو الدرداء: «وما علي ان يكون لي اجرها ويأكل منها غيري». وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان قامت الساعة وفي يد احدكم فسيله فان استطاع ان لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها». وهذا توضيح ان العمل والانتاج ليس مرتبطا بالوظيفة بل يجب ان تكون الوظيفة مرحلة يؤمن الانسان فيها دخله في مرحلة من مراحل العمر، ويكتسب معرفة وخبرة ثم يتحول الى مجال آخر من العمل وخصوصا العمل التجاري كما اخبر الرسول عليه الصلاة والسلام: «ان تسعة اعشار رزق امتي في البيع والشراء». ومن المشاهد ان الانسان الذي يعمل لحسابه الخاص يكون قد استطاع تحقيق اغلب اهدافه في هذه الحياة. حيث ان الوظيفة مهما كان دخلها فهي تؤمن مبلغا ماديا ثابتا وقد يكون آمنا وبالتالي يكون الموظف اقل توكلا على الله في هذا الدخل، اما من يعمل بالتجارة فيكون دخله وان كان أعلى إلا أنه أقل أمانا فيكون توكله وإخلاصه لله أكثر، وهنا نجد ان البركة حلت بماله وتجاوزت الى افراد مجتمعه ووطنه.