الأبوة والأمومة من أرقى المشاعر الإنسانية على الإطلاق، بل هي شعور فريد من نوعه عند كافة المخلوقات لا يكاد يعادله شعور أو محبة، فطالما سمعنا قصص التضحية التي تدفع أصحاب هذه المشاعر.. هذا بين البشر، وهي بين غيرهم من المخلوقات ليست بالأقل فكثيراً ما روى بعض الناس مشاهداتهم وقصصًا تابعوها بأنفسهم تظهر مدى حرص بعض الحيوانات والطيور وغيرها على أبنائها وحمايتهم من أي خطر يهددهم. أما حرص الشرائع السماوية وفي مقدمتها الدين الحنيف على حقوق الأطفال فهناك الواجبات التي فرضها على الآباء والأمهات لرعاية أبنائهم وتربيتهم وامتداد ذلك من كون الابن جنينًا في بطن أمه وصولاً إلى نهاية سن المراهقة وعنايته بها عناية لا تقل عن عنايته بحقوق الآباء على الأبناء وجعله بر الوالدين من أوجب الطاعات والقربات إلى الله سبحانه وتعالى، وقد وجدنا انعكاس ذلك في أدب الأدباء وشعر الشعراء ومن ذلك قول الشاعر العربي: وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمض بالتأكيد فإن الشاعر كان مصيبًا فأولادنا هم أكبادنا فعلاً.. لكن هل هذا صحيح دائمًا؟. ومناسبة حديثنا اليوم عن الأطفال وحقوقهم وواجبات الآباء نحو أبنائهم هو الملتقى الذي عقده مركز تنمية الطفل (أفلاذ) وهو مركز تربوي تدريبي وأسري وتوجيهي يعنى بالطفل، ويتبع لجمعية البر بالمنطقة الشرقية، يوم الاثنين الماضي في محافظة الأحساء بشراكة إستراتيجية مع جامعة الملك فيصل، وقد تم عقد هذا اللقاء تحت عنوان «تشخيص الواقع واستشراف المستقبل»، وبدعم يذكر فيشكر من مؤسسة عبدالرحمن بن صالح الراجحي وعائلته الخيرية. ومن الحقائق التي اتضحت من خلال هذا الملتقى أن نصف الأطفال في المملكة تقريبًا- كما أوضحت إحصائية صادرة من قبل وزارة العمل والتنمية– أي حوالي 45% تعرضوا لشكل أو لآخر من أشكال العنف التي منها ما هو جسدي ومنها جنسي أيضًا، كما أن بعضها يكون سوءاً في المعاملة أو استغلالا غير مشروع أو إهمالا يؤدي إلى إيذاء حسي أو معنوي.. وهذه الأشكال قد تحدث في البيت أو في المدرسة أو الشارع أو في أي مكان آخر يوجد فيه الأطفال، كما أن هذه الاعتداءات ربما تقع من أطراف عديدة، فقد تقع أحيانًا من الوالدين وهم يشكلون النسبة الأعلى بين الذين يرتكبون تعنيف الأطفال حيث بلغت النسبة كما ورد في كلمة المدير التنفيذي لمركز (أفلاذ) 74% ممن يرتكبون هذا الفعل ضد الأطفال فيما يرتكب الإخوة والمعلمون والعمالة المنزلية والمعنفون الغرباء ما نسبته 14% أيضًا. أما أفعال العنف التي ترتكب ضد الأطفال وتسجل ضد مجهول فقد بلغت حسب نفس المصدر 12% من هذا الإهمال. لا شك أن انعقاد مثل هذا الملتقى، بل قبل ذلك تأسيس مركز (أفلاذ) الذي يعتبر أحد المؤسسات الفريدة التي تعمل في هذا المجال هي فكرة رائدة كما أن تصدي مثل هذا الملتقى لتحديد المشكلة وتشخيصها مقدمة لاقتراح الحلول المناسبة التي لا تحمي الأطفال من أعمال العنف فقط، بل وتعمل على تعميق ثقافة حق الطفل في الحياة في بيئة آمنة من كل ما يؤذيه أو يضعف شخصيته أو يسلبه أي حق من حقوقه، وليس ذلك فقط بل تعزيز مكانته في المجتمع وتنمية مهاراته وتوسيع معرفته ورعاية إبداعه ومواهبه وتشجيعه على ممارستها والتمتع بطفولته، وإعداده ليكون مواطنًا صالحًا نافعًا لأسرته ومجتمعه ووطنه. ومما يحسب لهذا الملتقى والجهات المنظمة والداعمة له هذه الشراكة التي تجمع القطاع الخيري ممثلاً بجمعية البر بالمنطقة الشرقية ومؤسسة خيرية عائلية تتصدى لأداء المسؤولية الاجتماعية بكل إرادة وتصميم وإخلاص ثم القطاع الحكومي العام ممثلاً بمنظمة حكومية رائدة زاخرة بالكفاءات هي جامعة الملك فيصل بالأحساء، ومن المؤمل بل والمؤكد -بإذن الله- أن تكون نتائج مثل هذا الائتلاف الخيري نتائج مبشرة بحلول عملية وآليات علمية تحقق الشعار الذي عقد تحته هذا الملتقى وهو «تشخيص الواقع واستشراف المستقبل».