في ال 16 من كانون الثاني (يناير) 2008، نفذ أول حكم بالقصاص تعزيراً في قضية عنف أسري داخل السعودية، الحكم نفذ أمام جمع كبير من أهالي مكةالمكرمة في والد الطفلة غصون وزوجته، اللذين ثبت بحقهما شرعاً تعذيب الطفلة ذات الأعوام التسعة حتى الموت. وفي 12 نوفمبر 2008، أي بعد نحو 10 أشهر صدر حكم ثانٍ، يقضي بتنفيذ حكم القصاص تعزيراً في والد الطفلة «أريج»، وسجن زوجته الثانية خمس سنوات وجلدها ألف جلدة لاشتراكها في عملية تعذيبها. وابتعدت الأحكام عن القاعدة الشرعية «لا يؤخذ الوالد بولده»، التي كانت سيدة الموقف في قضايا عنف الآباء ضد أبنائهم، ولعل الإعلام لعب دوراً في إبراز هذه القضايا والأفعال المشينة من الآباء بحق فلذات أكبادهم، ما أسهم في تحول تلك الجرائم إلى قضايا رأي عام. ونشط حقوقيون في الأعوام الأخيرة، لرصد وتجريم قضايا العنف الأسري، وهو ما تسبب في ظهور قصص مأساوية أمام الرأي العام، عبر وسائل الإعلام، وخلق رد فعل واسع ومستنكر لتلك الأفعال في المجتمع، خصوصاً عندما ظهرت «تفاصيل بشعة» في قضايا العنف الأسري، تسببت في وفاة كثير من الضحايا ومعظمهم نساء وأطفال. «غصون»، «أريج»، «بيان»، «رهف» و«أحمد» الذي قتل هذا العام على يد زوجة أبيه، وغيرها من الأسماء مرت عبر وسائل الإعلام على فترات مختلفة، مع ذلك يرى إعلاميون أن هذه القضايا «لم تأخذ حقها» إعلامياً، متمنين أن يتوسع في عرض صور العنف بصفة عامة، لا سيما وأن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في مثل هذه القضايا، مؤكدين في تصريحات ل«الحياة» أن الإعلام يعد محركاً قوياً لقضايا الرأي العام والمفترض أن يتناول تلك القضايا بشكل واسع وأكثر عمقاً. وقال مدير قناة العرب جمال خاشقجي ل«الحياة»: «رغم أن الإعلام أول من فتح هذا الملف على الملأ، ونشر قصص العنف التي كانت مقتصرة في الماضي على حديث المجالس، إلا أن التغطية الإعلامية لقضايا العنف تواجه عقبات شائكة، إذ تخلو غالبية القصص من الأسماء منعاً للحرج، لحساسية القصة، فضلاً عن كون الجهات المعنية بهذا النوع من القضايا قليلة الكلام». وأضاف: «تنعدم التصريحات في هذه القضايا، ما يضعف العمل الإعلامي، ويجعله في اتجاه واحد، (الضحية)، لا سيما أن الطرف الثاني يمتنع عن الحديث عن الواقعة». وتابع: «للأسف، مجتمعنا لا يريد لضحية العنف أن تتحدث عن مأساتها، إذ يتم محاربة ظهورها، بهدف إسقاطها وشراء سكوتها، ومطلب السكوت أمر يفرضه مجتمع الضحية عليها خوفاً من الفضيحة إن صح التعبير». وأشار إلى أنه في حال موافقة الضحية على نشر اسمها وصورتها «نجد أن غالبية الإعلاميين يترددون في النشر، لعدم رغبتهم في الدخول بمشكلات وصراعات مع الطرف الآخر، التي تصل لحد التهديد»، مشيراً إلى أن مثل هذه القضايا «لن يقف لها أحد غير الإعلام». وحمّل خاشقجي ثقافة المجتمع المسؤولية في انتشار العنف، «يتعامل المجتمع مع المرأة والطفل بتبعية مطلقة، إذ يحق للزوج والأب فعل ما يشاء وقتما يشاء، فتجد الأب يعيد ابنته المعنفة لزوجها، ورجل الأمن يعيد المعنف لولي أمره من دون النظر في شكواه». ويرى خاشقجي أن الحلول لمعالجة قضايا العنف تكمن في نشر القصص ومتابعتها من خلال المطالبة الإعلامية بالتشريع فيها، وقال: «إن هذه القضايا لابد أن تتحول لجرائم يعاقب عليها القانون، وهذا يتطلب وعياً مجتمعياً بأهمية عدم التغاضي عنها، إذ لابد أن تسجل مراكز الشرطة كل شكاوى العنف، لتحال إلى جهة الاختصاص للنظر فيها وتطبيق الشرعية». وكما يرى خاشقجي بأن الإعلام من أخرج قصص العنف إلى الملأ، فإن عضو جمعية حقوق الإنسان، الكاتب الصحافي عبدالله أبو السمح يرى أيضاً أن الإعلام أسهم بشكل كبير في إظهار النشاطات الحقوقية، وقال: «لعب الإعلام السعودي دوراً في إبراز قضايا العنف وجعلها قضايا رأي عام، لكن المشكلة أن الأحاديث الإعلامية لم توجد حلولاً للمشكلة، لا سيما أن دورها كان يتركز على إلقاء الضوء عليها». مؤكداً أن الدور الأكبر يقع على الجهات الأمنية والقضائية التي لابد لها من التعاون مع وسائل الإعلام بشكل أكبر في كشف تلك القضايا، إذ إن مشاركتها بفعالية سيسهم في معالجة القضية والنظر لها بجدية أكبر، لا سيما وأن ما يذكر في الصحف والقنوات ليس سوى القليل فقط من تلك القصص، التي تبقى غالبيتها في طي الكتمان. وشدد على تخصيص مساحات أكبر لمثل هذه القضايا في الإعلام «لابد أن نولي قضايا العنف اهتماماً أكبر من كافة أطياف المجتمع، إذ لابد أن يكون هناك تعاون بين جمعية حقوق الإنسان والجامعات السعودية في عمل دراسات مستفيضة عن قضايا العنف وطرق التصدي لها». أما مسؤول الرأي في صحيفة المدينة أستاذ الإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالرحمن العرابي الحارثي، فيرى أن الإعلام السعودي «لا يزال مقصراً جداً في قضايا العنف الأسري بشتى أنواعه» وقال ل«الحياة»: «لدينا تقصير عام في تغطية قضايا العنف إعلامياً، إذ لا يهتم بطرق معالجة القصص، أو معرفة دور كل مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني في هذه القضية». واتهم وسائل الإعلام ب«التقصير» مؤكداً على ضرورة «زيادة المساحات الممنوحة لتلك القصص، فاستمرارية النشر وكثرة الحديث سيولد ثقافة مجتمعية لمحاربة هذه الظواهر، التي تتزايد في واقعنا المحلي». ونوّه الحارثي إلى أن العنف في المجتمع السعودي «ظاهرة» تتعدى الشق الأسري منها، لتشمل المدرسة ومواقع العمل، حتى الشوارع، وأضاف: «مجتمعنا في حاجة لغربلة، ونظام اجتماعي متكامل لتوعيته بسلبيات العنف، وللحد من تنامي الظاهرة، لا سيما أن الاختلاف مع الآخر، وإن كان في الطريقة يولد عنفاً لدينا». وأكد أن السعودية بحاجة ماسة لآليات وقوانين تجرم أعمال العنف كافة، وتوضح العقوبات في كل حال، وهذا يتطلب تعاون الجهات المعنية للتصدي لها بحسب الحارثي، الذي أشار إلى ضرورة تعاون الجهات ذات العلاقة مع وسائل الإعلام، لطرح القضايا بشفافية مطلقة، ما يسهم في إيجاد حلول تتصدى لظاهرة العنف».