تنشر الصحف اليومية أخبارا عن اخطاء طبية بعضها أخطاء بسيطة وبعضها قد يودي بحياة من كان يقصد المشفى للعلاج وإنهاء آلامه، فنسمع عن نسيان مقص أو شاش في بطن مريض، أو تخدير خاطئ أودى بحياة مريض آخر أو غيرها من الاخطاء الطبية التي لا يتسع المقال لحصرها، وهذه الاخطاء قد تكون طبيعية وموجودة، كون الطبيب المعالج أو الممارس الصحي بشرا يصيب ويخطئ، وقد يكون بعضها تقصيرا في اداء الكادر الصحي أو الطبيب المعالج أو إهمالا منهم، وتشير احصاءات وزارة الصحة إلى وقوع أكثر من الفين وخمسمائة خطأ طبي سنويا في المملكة العربية السعوية، فهل كل هؤلاء على علم بحقوقهم القانونية في مطالبة الطبيب المعالج أو المنشأة الطبية بآثار هذه الاخطاء الطبية التي قد تكون مميته احيانا. فقد حرصت الدولة - وفقها الله- على سن الانظمة التي تكفل الحقوق للمواطن في المطالبة بكافة حقوقه، فأصدرت نظاما يوضح واجبات الممارس الصحي وحدود مسؤولياته وواجباته وهو نظام مزاولة المهن الصحية الصادر بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/59) بتاريخ 11 ذو القعدة 1426ه كما صدرت اللائحة التنفيذية للنظام بقرار معالي وزير الصحة رقم (396444/1/12) وتاريخ 14/ 05 /1427ه وقد جاء النظام مبينا وموضحا لواجبات الممارس الصحي بما يخدم صالح الفرد والمجتمع، وبما يكفل احترام حق رعاية المريض وسلامته، وسوف القي الضوء في هذا المقال على اهم ما جاء في هذا النظام ولائحته التنفيذية، لعله يسهم في تطبيب واطفاء جراح من اكتووا بنار الاخطاء الطبية وينير لهم الطريق لانتزاع حقوقهم ممن سلبوها منهم بمشرط الطب، حيث جاء النظام واضحا في النص على واجبات الممارس الصحي ومبينا مسؤولياته وواجباته حيث بينت المادة الاولى المقصود بالممارس الصحي حيث إن اغلب العامة ينصرف به الرأي إلى أن الممارس الصحي هو الطبيب المعالج فقط وهذا اعتقاد خاطئ بينته هذه المادة من النظام حيث ذكرت ان الممارس الصحي هو كل من يرخص له بمزاولة المهن الصحية وتشمل الفئات الآتية: الاطباء البشريين، وأطباء الأسنان، والصيادلة الأخصائيين، والفنيين الصحيين في الأشعة، التخدير، التمريض، المختبر، الصيادلة، والبصريات، والوبائيات، والأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي ورعاية الأسنان وتركيبها والتصوير الطبقي، والعلاج النووي، وأجهزة الليزر والعمليات والاخصائيين النفسيين والاجتماعيين وأخصائيي التغذية والصحة العامة، والقبالة والاسعاف، ومعالجة النطق والسمع، والتأهيل الحرفي والعلاج الحرفي والفيزياء الطبية، وغير ذلك من المهن الصحية الاخرى التي تم الاتفاق عليها بين وزيري الصحة والخدمات المدنية والهيئة السعودية للتخصصات الصحية، كما حظرت المادة الثانية من النظام على الممارس، ممارسة عمله الا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الصحة بذلك، وقد سردت الاشتراطات للحصول على الترخيص، والتي من أهمها الحصول على المؤهل المطلوب للمهنة، كما بينت الفقرة الثانية من اللائحة التنفيذية انه لا يجوز ممارسة العلاج الشعبي الا بموجب ترخيص من الجهة المختصة بناء على شروط وضوابط معتمدة، ويخضع إلى المسؤوليات المهنية الواردة بنظام مزاولة المهن الصحية، وقد بين النظام في مادته الخامسة (يزاول الممارس الصحي مهنته لمصلحة الفرد والمجتمع في نطاق احترام حق الانسان في الحياة وسلامته وكرامته مراعيا في عمله العادات والتقاليد السائدة في المملكة مبتعدا عن الاستغلال) حيث ان ما ورد بهذه المادة هو حق أصيل للمريض وقد احسن المنظم في النص عليه صراحة كما ان دليل اخلاقيات مزاولة المهنة الصحية يسري على ممارسي المهن الصحية، كما يلتزم الممارس الصحي بمعاونة السلطات المختصة في أداء واجبها نحو حماية الصحة العامة ودرء الاخطار، وعلى الممارس الصحي تقديم الرعاية الطبية العاجلة للمريض الذي يحتاج إلى هذه الرعاية الفورية دون طلب أتعابه مقدما، واذا كانت حالة المريض تستدعي مزيدا من العناية الطبية التي لا يستطيع الممارس الصحي تقديمها عليه أن يتأكد من توافر وسيلة نقل تنقله إلى أقرب مركز ملائم لعلاجه، وهذا بخلاف ما تطلبه بعض المستشفيات الخاصة من ضرورة الدفع قبل اعطاء المريض العلاج، نصت المادة السادسة من النظام على أن يستهدف العمل الطبي دائما مصلحة المريض وعلى الممارس الصحي أن يبذل جهده لكل مريض، كما نصت المادة الخامسة عشرة على أنه يجب على الممارس الصحي أن يجري التشخيص بالعناية اللازمة مستعينا بالوسائل الفنية الملائمة وبمن تستدعي ظروف الحالة الاستعانة بهم من الاخصائيين أو المساعدين وأن يقدم للمريض ما يطلبه عن حالته الصحية ونتائج الفحوصات مراعيا في ذلك الدقة والموضوعية، كذلك يتم الالتزام بهذه التعليمات في اصدار التقارير الطبية، كما نصت المادة التاسعة عشرة على أنه يجب الا يجري أي عمل طبي لمريض إلا برضاه أو موافقة من يمثله أو ولي أمره، ويستثنى من ذلك حالات الحوادث أو الطوارئ التي تستدعي تدخلا لإنقاذ حياة المصاب أو عضو من أعضائه، وكل ذلك تمشيا مع مضمون خطاب المقام السامي رقم 4/2428/م وتاريخ 29 /07 /1404ه المبني على قرار هيئة كبار العلماء رقم 119 وتاريخ 26/ 05 /1404ه كما يجب على الممارس الصحي أن يحافظ على الأسرار التي علم بها عن طريق مهنته ولا يجوز له إفشاؤها إلا في حالة الابلاغ عن حالة وفاة ناجمة عن حادث جنائي، الابلاغ عن مرض سار أو معد، دفع الممارس لاتهام وجهه إليه المريض أو ذووه يتعلق بكفاءته أو بكيفية ممارسته المهنية، أو اذا وافق صاحب السر كتابة على إفشائه أو كان الإفشاء لذوي المريض مفيدا لعلاجه، كما يحظر على الطبيب إجهاض أي امرأة حامل إلا إذا اقتضت ذلك ضرورة إنقاذ حياتها، ويجوز ذلك اذا لم يتم الحمل اربعة أشهر، وثبت بصورة أكيدة أن استمراره يهدد صحة الام بضرر جسيم، وثبت بقرار من لجنة طبية، كما تضمن ذلك قرار هيئة كبار العلماء رقم 140 وتاريخ 20/ 06 /1407ه كما نصت المادة السادسة والعشرون من النظام على ان التزام الممارس الصحي الخاضع لهذا النظام هو التزام عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها، بمعنى ان الممارس الصحي يلتزم بعلاج المريض، وعليه أن يتوخى أصول صناعة الطب المعروفة في العلاج، وعليه أن يبذل العناية المألوفة في تطبيب المريض، كما نصت المادة السابعة والعشرون على أن كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه ضرر للمريض يلتزم من ارتكبه بالتعويض، وتحدد (الهيئة الصحية الشرعية) هذا التعويض ويعد من قبيل الخطأ المهني الصحي ما يلي: (الخطأ في العلاج أو نقص المتابعة، الجهل بأمور فنية يفترض فيمن كان في مثل تخصصه الإلمام بها، اجراء العمليات الجراحية التجريبية على الانسان، اجراء التجارب أو البحوث العلمية غير المعتمدة على المريض، إعطاء دواء للمريض على سبيل الاختبار، استخدام آلات وأجهزة طبية دون علم كاف بطريقة استعمالها أو دون اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال، التقصير في الرقابة والاشراف، عدم استشارة من تستدعي حالة المريض الاستعانة به، يقع باطلا كل شرط يتضمن تحديد أو اعفاء الممارس الصحي من المسؤولية)، كما أن الممارس الصحي يكون محلا للمساءلة التأديبية إذا اخل بأحد واجباته المنصوص عليها في نظام مزاولة المهن الصحية، ونكون بذلك قد ألمحنا الى اهم المواد في نظام مزاولة المهن الصحية وسوف نعرج بالحديث في المقال القادم بإذن الله استكمالا لباقي مواد النظام وتبيينا لتكوين الهيئة الصحية الشرعية التي تنظر في شكاوى الاخطاء الطبية وتكوينها واختصاصها وانعقاد جلساتها وحجية احكامها.