في مراحل سابقة، ومع سطوع نجم التليفزيون، بتوالد القنوات الفضائية، وسطوتها على اهتمامات الناس، وجذبها انتباههم، اعتقد البعض أن التليفزيون سيغير وجه مجتمعاتنا للأبد، وأنه يعكس قدرة الإنسان على الخروج عن هيمنة المتحكمين بالإعلام التقليدي، لأن المرء يستطيع التنقل بين القنوات، والاستماع لما يشاء، إلى آخر ذلك من الكلمات الرنانة المعروفة (وغير الدقيقة) في مديح التليفزيون. لاحقاً، بزغ نجم الانترنت، وتحديداً المواقع الاجتماعية التي تعرض المقاطع المصورة، القصيرة والطويلة، والتي باتت منصة لانطلاق نجومية عدد من الشباب، وهذا جعل الذين راهنوا على التليفزيون يعلنون موته، ويقيمون له مجالس العزاء، فقط لأن شبكات التواصل الاجتماعي باتت مؤهلةً لتكون الوريث الشرعي للتليفزيون. طبعاً لم تنتهِ الهيمنة لا على التليفزيون، حيث تخضع قنواته لهيمنة أصحاب رؤوس الأموال، وأجنداتهم السياسية وغيرها، ولا على شبكات التواصل الاجتماعي المرئية، إذ يمكن للمهيمنين في الواقع، وفي الإعلام التقليدي، السيطرة بسهولة على هذه الشبكات، وتوجيه مسار النقاش فيها، وإغراقها بدعايتهم. كما خاب الاعتقاد بقدرة التليفزيون على الخروج من هيمنة المتنفذين في أرض الواقع، خابت وتخيب أيضاً التوقعات بقدرة الشبكات الاجتماعية على الانعتاق من السيطرة القائمة، لأن مَنْ توقعوا هكذا نتيجة أغفلوا أن هذه أدوات تقنية، يمكن استخدامها في تعزيز الدعاية، لا في تقليصها، وعليه، فإنها قد تضلل المتلقي، خاصةً في وجود مجموعات لا تتورع عن الكذب، لخدمة أهداف محددة، ولذلك كله، لا يمكن القول إن الشبكات الاجتماعية تكسر احتكار القوى المتنفذة للمعلومة، وإنما صارت مصنعاً لنشر معلوماتهم. يجادل البعض أن التليفزيون يلفظ أنفاسه الأخيرة، لصالح تطور الشبكات الاجتماعية، وقدرتها على توفير المساحة للشباب ليثبتوا أنفسهم من خلالها، لكن التدقيق في العلاقة بين التليفزيون والشبكات الاجتماعية، يكشف استخدام القنوات الفضائية للشبكات الاجتماعية في تمرير أخبارها وأجندتها، إضافة لاعتبارها في بعض الأحيان ساحة لاكتشاف المواهب و«فلترتها»، قبل انضمامها للتليفزيون، ونلاحظ مثلاً أن كثيراً من نجوم «يوتيوب» يحرصون على الانضمام إلى التليفزيون، بعد النجاح الذي يحققونه في مقاطع «يوتيوب»، على اعتبار أن تقديم برنامجٍ في التليفزيون، أكثر تأثيراً من مجرد البقاء في «يوتيوب». لا يزال التليفزيون قادراً على التأثير، وصناعة قضايا الرأي العام، وهو يتكيف مع توسع الشبكات الاجتماعية، ويروج لمادته من خلالها، لكن هذا لا ينفي صعود هذه الشبكات، وتزايد أهميتها، غير أن القول بنهاية عصر الإعلام التقليدي، وبزوغ عصر الإعلام الجديد في الانترنت، مبالغٌ فيه، وهو لا يعكس حقيقة التأثير المباشر بين الإعلامين التقليدي والجديد، ولا قدرة الإعلام التقليدي على تصعيدٍ أمر ما ينتشر في الشبكات الاجتماعية، أو خفضه ليُنسى بالتدريج. * كاتب