أن تتابع كاتبا قديرا في زمن يمكن وصفه بطول نخلة، ثم تراه بعد هذ الوهج مبتعدا عن وهجه نفسه، تنبت فيك جمرة أسميها جمرة الأسف. هذا ما عانيته وأنا أقرأ عنوان «موت المثقف العضوي، بقاء المثقف الناقد» للكاتب القدير خالد الحروب، وزادت السياط سوطا حين استمر في القول: «بهذا المعول الذهبي «=معول النقد للجابري» آمل أن أتأمل وأن أفكك أيضا واحدا من الأقانيم المقدسة المفتعلة في فضاء الثقافة العربية، وهو أقنوم «المثقف العضوي» الذي يهمنا جميعا كمثقفين، ولكنه أصبح عبئا علينا وعلى الفكر العربي بدل أن يكون حاملا للتغيير والطلائعية». لم يكتف المعول بهذا، بل أوغل قائلا بعد كلام صحراء: «لكن السرطان الأخطر الذي تطور في قلب مفهوم المثقف العضوي وفي غمرة انشغالاته كان في ضمور النقد، ونقد الذات الجماعية على وجه الخصوص، كانت المعركة الحقيقية أو المتوهمة تستنزف جهده كله. ولأنها معركة جماعية، لا صوت يعلو فوق هديرها فقد توارى النقد خجلا إلى الهوامش». هذا الكلام الحجري عدوان، بل اغتيال، لا لمفهوم المثقف العضوي، بل لمبدعه انطونيو غرامشي (1891-1937) ومن أشد الأعاجيب أنه صادر من خالد الحروب. طرح غرامشي مفهوم «الهيمنة الثقافية» ومفهوم «المثقف العضوي» وهو الذي له «دور» في «تغيير» المجتمع. من تحصيل الحاصل ان نكرر ما قيل حول هذا المفهوم وفيه. ولكن علينا أن نقف على مفردتين تضمنهما تعريف المثقف العضوي. الأولى هي ان هذا المثقف يقوم بدور، وهدف هذا الدور هو المفردة الثانية «تغيير المجتمع». السيد خالد الحروب: تحية طيبة. قل لي هل يمكن تغيير المجتمع كما تغير ملابسك؟ إن تغيير المجتمع معناه تغيير محتواه الذهني، وهل يمكن- أيها السيد- تغيير ذهنية جماعية دون نقد محتواها واحدا واحدا؟ لقد «اختط غرامشي لنفسه منهجا تأويليا طال أسس ما كان يعتقد أنها ثوابت العقيدة التي كان ينسب إليها ويحسب عليها» هكذا يقول تاريخ غرامشي، فهل يحق لك طمس هذا التاريخ أنت يا خالد الحروب؟ أقدر أنك قلت ما قلت بصدد إشادتك بالمفكر الراحل الجابري لأنه في رأيك «ناقد» لا مثقف عضوي.. وهذا الوهم يحتاج إلى وقفة أخرى، لأنه ليس عندنا طبقات بالمعنى الماركسي للطبقة، التي تبرز مثقفها العضوي، ولكن في صحرائنا الثقافية يلتقي المثقف العضوي ويتداخل مع الناقد.