المتخوف من احتمالات المستقبل والمدرك لحقائق الواقع ومتطلباته تتوطن لديه القناعة بأن الخدمات التي نتلقاها في حياتنا لن يكون ممكنا أن تتحملها الإيرادات الحكومية، ولن تستمر تُقدم بالمجان، فالخدمات المجانية عادة يساء استخدامها وتُبذر، ولا تتحقق العدالة في تقديمها. الحياة المستقرة الكريمة لن تأتي بدون ثمن وتضحيات. الشعوب الواعية هي التي تتقاسم الثمن فيما بينها، كل حسب نصيبه من الدنيا، وتحسم هذه القضية الأساسية للتعايش عبر القناعة بالتضحية الجماعية لأجلها، حتى لا تتحمل التكلفة كاملة فئة دون أخرى، وحتى لا تُرحل إلى المستقبل.. لتكون عبئا على الأجيال القادمة. في ظل التوجّه لتنمية الإيرادات غير النفطية، حتى لا نكون تحت رحمة هذه الثروة الطبيعية التي تهددها احتمالات ومتغيرات المستقبل، نحتاج كما قلت أكثر من مرة، إعداد الناس نفسيا وفكريا و(مهاريا) لمتطلبات التحول. أول ما نحتاجه هو: برنامج وطني لتنمية مهارات الناس في إدارة مواردهم المالية. في مجتمعنا لدينا ضعف واضح في جوانب مهمة منها: إدارة الوقت، إدارة الضغوط، إدارة الجودة، والإدارة المالية. غياب هذه الجوانب يؤثر سلبيا على حياتنا وإنتاجيتنا. غياب مهارة إدارة الوقت ينتج عنه عدم القدرة على إدارة ضغوط الحياة، ونرى هذا الجانب واضحا يوميا في شوارعنا، فكل الناس مهرولة على عجل قبل بداية المدارس وبداية الدوام. كل يفيق على حافة الزمن، وهنا يتدفق التوتر وتتوسع المشاكل في البيوت، يفيق الطلاب على صياح الآباء والأمهات، بداية يوم متوتر. في الشوارع ينتقل التوتر ونستغرب كثرة الحوادث. أيضًا الإدارة المالية الحصيفة للموارد المتاحة غائبة عن أولويات المهارات الاجتماعية الضرورية للتعامل مع الحياة. الآن بعض الناس يشتكي من ارتفاع تكلفة الخدمات الأساسية الضرورية. إذا أخذته في حوار هادئ وطلبت منه أن يضع في ورقة قائمتين تتضمنان: موارده الثابتة وغير الثابتة، ونفقاته الثابتة الضرورية، والمتغيرة/ غير الضرورية. في قائمة النفقات غير الضرورية سوف يكتشف أن لديه نفقات يمكن الاستغناء عنها وترحيلها إلى النفقات الضرورية. هذا التدريب البسيط سوف يجعل الناس أكثر حكمة وقدرة على اكتشاف قوتهم المهدرة، وأغلب الناس لديهم الإرادة ولديهم النزعة الأخلاقية لعدم إهدار الموارد، كل ما نحتاجه هو إحياء النزعة الدينية الأخلاقية، وأخذ الناس إلى التفكير الإيجابي في حياتهم. في جانب آخر، الآن أغلبنا يشتكي من قلة الوقت. اطلب من صاحبك أن يضع جدولا يقسم الوقت الى 24 ساعة اطلب منه أن يدوِّن ماذا يفعل كل يوم لمدة أسبوع. اذا كان أمينا مع نفسه فسوف يقدم لك نهاية الأسبوع جدولا يفيض بالساعات الضائعة المهدرة غير الإنتاجية. وسوف يكتشف صاحبك أن الزمن يفيض بركة إذا كانت الإدارة للوقت حكيمة وبفعالية. هذا الذي يجعلنا نقول إن مشروع التحول الوطني الذي نتفاءل ونتطلع إلى نجاحه يحتاج لمشروع متكامل للهندسة الاجتماعية يطلق برامج للتربية الوطنية، مثل إدارة الوقت، إدارة الضغوط، الإيجابية، الإدارة المالية الأسرية، السلوك في الأماكن العامة، وإدارة الجودة. وغيرها مما يعرفه الخبراء. نحتاج لإعادة إحياء دور الأسرة عبر مراجعة ساعات الدوام والإجازات، وضرورة التشدد لإنهاء الفوضى في ساعات عمل منشآت القطاع الخاص ومحلات تجارة التجزئة. نحتاج لرفع الجانب السلوكي والمهاري في التعليم، ما الذي نستفيده من طلاب وطالبات يتخرجون حفظة كتبة وهم لا يعرفون مهارات التعامل مع الحياة، فنسب العنوسة والطلاق ترتفع، ومعدلات البطالة تتصاعد! نتمنى إدراك الحكومة لأهمية وجود برنامج وطني لرفع مهارات الناس للتعامل مع الحياة، على أن تعطى الأولوية لمشروع (إدارة الموارد المالية الأسرية) حتى نساعد الناس للتحول النفسي لبناء اتجاهات إيجابية للتحول. الناس يجب أن يكونوا جزءا داعما للتحول ومن القوى الدافعة له. هذا البرنامج يمكن إطلاقه عبر الجامعات والجمعيات العلمية والمهنية ومؤسسات المجتمع المدني، فلدينا الآلاف من المتطوعين القادرين على إنجاحه. المهم المبادرة، وهذا من الموضوعات العاجلة التي يفترض أن يعمل عليها مجلس شؤون التنمية والاقتصاد.