للأجواء الإيمانية والروحانية الرمضانية تأثير كبير على سلوكية المواطن والمقيم، ومن حسنات هذا الشهر أن البعض تنتابه سلوكيات الورع والبذل والتضحية، وهي خصال موجودة لدى الإنسان لكنها تحتاج إلى أجواء وبيئة تجعلها حاضرة دائما، ولكن الملفت أن في هذا الشهر عادات سنوية ما إن ينتهي الشهر حتى تنتهي معه، ولذلك نتمنى أن يكون لسان حالنا، قليل دائم خير من كثير منقطع فالسلوكيات الإيجابية والخيرة في ديمومتها صيانة لروحية المجتمع ولأمنه واستقراره، ولهذا يجب أن ننظر للصيام والقيام على أنه دورة تدريبية سنوية في ترويض الأنفس، وفي إدارة الموارد، وفي تعزيز العلاقات الاجتماعية، وقد أثبتت الدراسات أن الإنسان بحاجة ماسة لإجازة سنوية، روحانية وإيمانية يعيد فيها نفسه إلى جادة الإيمان. فالإسلام دين الوسطية والاعتدال فقد نهى عن التقتير وأيضا نهى عن التبذير والإسراف، لكن ما نراه اليوم يؤكد أننا لم نطور أفكارنا بما يتناسب وهذا التوجيه الرباني، لم نطور سلوكياتنا بحيث نعرف كيف نصرف، وكيف نديم هذه السلوكية الإيمانية والتربوية، وكيف لا نتجاوزها أو نركنها جانبا بعد نهاية شهر رمضان، خاصة وأن القاعدة القرآنية تقول {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ}؛ فالترشيد ضروري في كل مجالات الحياة وهو جزء من الإدارة التي يحتاجها الفرد والمجتمع والدولة، وهي من سمات المجتمع المدني الحديث. والملفت أن شهر رمضان شهر خير وبركة، لكن سنسأل أيضا عما أسرفنا وعما صرفنا والسؤال الذي يطرح نفسه أين هي معايير التكافل والتضامن والتواصل التي يحثنا عليها ديننا الإسلامي، ولماذا هذا الهدر بينما في عالمنا العربي هناك ( 25 مليون ) جائع، وعليه نتمنى أن يتطور فكرنا الخيري ليكون ضمن مهامه أيضا الاستفادة من الهدر هذا وإعادة إنتاجه كوجبات للعوائل الفقيرة ولبعض المقيمين من ذوي الدخل المحدود لذا فإن إدارة المناسبات الاجتماعية أمر هام بدلا من الإسراف والترف في إعداد الولائم المكلفة من جانب ومن جانب آخر نقوم بإلقاء غالبيتها في حاويات النفاية بينما هناك من هم بحاجة ماسة للقمة الغذاء، لذا فالترشيد يحتاج إلى الممارسة ويحتاج إلى وجود النموذج فإن كل كبير وصغير يجب أن يكون لديه رغبة حقيقية للقيام بهذه السلوكيات المدنية المتطورة ابتداء من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الكبيرة، فنموذجنا الذي يتقدمنا دائما وعودنا على أعمال الخير - خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - والذي دعا مؤخرا لحمله وطنية لجمع التبرعات للأشقاء في سوريا الذين يعيشون في ظروف حرب وإفناء حقيقي من قبل نظام الأسد. أخيراً إن الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى تحقيق الاعتدال في النفقات والمصروفات وترشيد استهلاك المسلم في الأكل والشرب والملبس والمركب، وتجنب الإسراف والتقتير الذي يقود لمفاسد الأخلاق ثم الانحراف، لذا يجب على جميع أفراد المجتمع الالتزام بالسلوك الاقتصادي الإسلامي الحسن باعتباره جزءاً من سلوك المسلم والاعتدال في النفقة والتخطيط السليم لميزانية الأسرة، وهذا بالتالي يقود إلى إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع ونمو الاقتصاد الوطني. [email protected] مستشار مالي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية