كيف هي العلاقة بينك وبين أصدقائك؟ نحن نلتقي بالكثير من الأشخاص في حياتنا اليومية، جيران و زملاء عمل أو دراسة، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض هؤلاء المعارف يمكن أن تنمو علاقتنا بهم ليكونوا أصدقاء حقيقيين، ولكن نمط الحياة الحديثة والتقنيات الجديدة ينتج عنها علاقات سريعة وغير متماسكة، مما جعل الصداقة في مواجهة خطر الانقراض. والصداقة (friendship) علاقة بين شخصين أو أكثر من الناس بينهم مشاعر متبادلة تستند إلى الثقة والحب وتظهر دلائل المساعدة والتعاون المتبادل والاستحسان والقبول والمساندة والدعم فيما بينهم، أما الخلطاء فهم من نخالطهم في مواقع الحياة المختلفة لكن العلاقة بهم في حدود الحاجة. أما الصداقة فهي أرقى درجات العلاقات الإنسانية، حتى إنها لتفوق أحيانا درجة القرابة؛ ولذلك قيل لأحد الحكماء:«أيّهما أحب إليك أخوك أو صديقك؟ قال: إنما أحب أخي إذا كان صديقي». يصعب تصور حياة بدون صداقات، والكثير من سعادتنا يعتمد على وجود أصدقاء لدينا. والصداقة الحميمة حماية من العزلة الاجتماعية والاكتئاب، وفي الآخرة تسمع صرخات الخاسرين فيما نقله القرآن الكريم {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ*وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} سورة الشعراء (101-100). كيف نزن علاقتنا بأصدقائنا؟ ليست العبرة بعدد الأصدقاء، وإنما بجودة الصداقة Quality of friendship، وهناك دعوة نبوية للنظرة الفاحصة للصديق ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)) مسند أحمد [13/ 398]، وبوسعك أن تتعرف إلى مدى جودة صداقتك وعمقها من خلال المحكات Criteria التالية: 1-الصدق: Trust، الصداقة «مشتقة من مادة صدق، فصديقك من صدقك لا من صدّقك، فهل يحرص الطرفان على تحري الصدق دون اللجوء إلى الكذب بألوانه المختلفة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة، وهل تصدقان في الوعد الذي يبرمه أحدكما مع الآخر؟ 2-إخلاص المودة: Affiliation، فهل صداقتكما بنيت على المحبة والتوادّ أم على مجرد الأغراض والمنافع المادية والتسلق على الأكتاف للوصول إلى المصالح الشخصية؟ إن أعلى درجات الإخلاص عندما تكون العلاقة حبا خالصا في الله تعالى.. كما جاء في البيان النبوي: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ عِبَادًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ لِمَكَانِهِمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟، وَمَا أَعْمَالُهُمْ؟، أَخْبِرْنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَونَهَا، فَوَاللهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، ثُمَّ قَرَأَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]. شعب الإيمان [11/ 316]. 3- المساندة: Social Support، هل كلاكما يقدم الدعم والعون للآخر عند الحاجة، والمبادرة بالمساعدة والرأي والمشورة كما هو حال المؤمنين: «الْمُؤْمِنُ مَرْآةُ أَخِيهِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ» سنن أبى داود [4/ 432]. والصديق الحقيقي هو من يكون بجانبك عندما يرحل العالم كله عنك. 4- الأمانة: Honesty هل يثق كل منكما في الآخر فيأمن معه على أسراره وودائعه؟ وفي الحديث (إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِىَ أَمَانَةٌ» السلسلة الصحيحة [ 3 / 81]. 5-الاستقامة: Integrity هل تحرصان على الالتزام الأخلاقي في علاقتكما؟ {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} سورة هود (112). وهذا من الولاء الذي يكون بين المؤمنين، قال سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة:71). 6-التواصل Communication: هل تتواصلان فيما بينكما بالتزاور أو المهاتفة؟ في الحديث القدسي قال اللَّه تبارك وتعالى: ((وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ)) مسند أحمد مخرجا [36/ 359]. وشبكات التواصل الاجتماعي Social networks تقوم بدور مهم لاسيما مع تباعد المكان، لكنها «وحدها» ليست كافية فنحتاج إلى تعزيز الصداقة وتقويتها باللقاء وجهاً لوجه من حين آخر. 7-التسامح: Tolerances هل تعفوان عن هفوات وعثرات تصدر من أحدكما تجاه الآخر؟ حسبكما أن ذلك الصفح مدعاة لمغفرة الله تعالى لكما {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة النور (22). والتسامح لا يمنع من العتاب الرفيق بينكما. كل محك من هذه المحكات السبعة سيرفع درجة الصداقة وجودتها. فبادر بالخطوات الأولى ولا تنتظر؛ فالصداقة علاقة تبادلية تفاعلية، ولكى تجد صديقاً جيدا يجب أن تكون صديقا جيدا.