في هذه الأيام من كل عام، تخيم غمامة سوداء على شباب وشابات الوطن ووالديهم. تنهمر الدموع وتتوالد الأحزان وتتحطم الأحلام. يتجاذبون الحديث عن كيف ضاعت سني طفولة أبنائهم في الذهاب كل يوم للمدرسة أملاً في أن يتخرج ابنهم ذات يوم لكي يصبح مهندساً أو طبيباً أو أستاذاً في جامعة أو موظفاً مرموقاً يضفي السعادة على أسرته. ما تفعله وزارة التعليم هذا العام ليس بجديد، فلقد دأبت عليه منذ سنين طويلة، فهي لا تقيم أي وزنٍ يذكر لرغبة طالبي العلم في تقرير مستقبلهم، بل تقف دائماً حجر عثرة أمام أحلامهم وطموحاتهم. ولكن هذه السنة أصبحت أشد وقعاً على الطلبة وذويهم، فلم يعد الأمر مقتصراً على إجبار الطلبة والطالبات على القبول بتخصصات لا تمت لرغباتهم بصلة، بل تعداه إلى إغلاق أبواب الجامعات أمام الكثير من طالبي العلم. التعليم الجامعي لم يعد خياراً للطلبة أو الوطن، بل هو أساس التقدم ومطلب أساس لوطن يطمح إلى اللحاق بركب التنمية. وزارة التعليم مازالت تعمل بفكر لم يعد له مكان في الوقت الحاضر ولا يتناسب والوضع الراهن للبلد ولا يخدم أي هدف أعلنته الدولة، بل على العكس من ذلك، فما تقوم به الوزارة الان سوف يجعل تحقيق أهداف التنمية التي أعلنتها الدولة في خطتها الطموحة رؤية 2030 أمراً في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً. إن إجبار الطلبة والطالبات المتقدمين للقبول في جامعاتنا على وضع 20 اختياراً في قائمة الرغبات باستمارة التقديم، لا يعدو كونه محاولة لتغطية عجز الوزارة عن تحقيق رغبات أبناء وبنات الوطن، كما أنه عمل يستهين بمستقبلهم ويعاملهم كآلات يمكن وضعها في أي مكان تشاء الوزارة. مثل هذا العمل الذي تقوم به الوزارة، لا يعطي أي اهتمام لمستقبل الوطن وحاجته إلى سواعد أبنائه، فالوزارة تتجاهل أننا لم ننتج إلا 10% من حاجتنا من المهندسين السعوديين والمعماريين وأقل من تلك النسبة للأطباء والصيادلة والكيميائيين وغيرهم من أصحاب التخصصات العلمية التي هي مفتاح النجاح لهذا العصر، فعوضاً عن حث الطلبة والطالبات على الدخول في التخصصات التي يحتاجها الوطن، نراها تجبرهم على تخصصات لم نعد بحاجة لها مثل «تخصص مكتبات» أو تخصصات نظرية لم يجد أصحابها لها طالباً في سوق العمل. ان ما يدعو إلى القلق هو أن وزارة التعليم لا ترى في ما تفعله بأبنائنا وبناتنا أمراً مٌقلقاً وخطأً جسيماً يُرتكب في حق مستقبل الوطن، وعائقاً كبيراً أمام طموحاته. لا أدري كيف يتوقع القائمون على هذه الوزارة أن يكون أثر معاملتهم لطالبي العلم على مستقبل الوطن، ولا إذا كانوا راضين عن ما ينتجونه؟ وهل لدى الوزارة خطة لسد حاجة البلد من التخصصات العلمية، أم أن هذا أمر لا يعنيها؟. إذا كان مقياس النجاح أو الفشل هو بمقدار ما تم تحقيقه من أهداف وضعت، فإن وزارة التعليم قد رسبت في هذا الامتحان، وإن استمرت على هذا النهج، فإنها ستقود الوطن بعكس ما يريد وستكرس اعتماده على سواعد أبناء غيره من البلدان، وتحرم أبناءه وبناته من المشاركة في صنع مستقبله وايجاد حياة كريمة لهم ولأبنائهم. لقد أصبحت وزارة التعليم للكثير من طالبي العلم في هذا الوطن مجرد صخرة تتحطم عليها الآمال، وبالنسبة للوطن فإنها قد تكون الوزارة الوحيدة التي بيدها تحقيق طموحاته أو وأدها في مهدها.