يروي مقربون من كواليس المفاوضات اليمنية في الكويت، أن وفد الانقلابيين، يتسلم يوميا مجموعة من التعليمات، مصدرها الرئيس إيران، وهدفها إطالة الأزمة، والحصول على تنازلات، في صلب عملية التفاوض التي تستند الى المرجعيات الدولية التي يعتد بها وفد الشرعية، كانت استراتيجيتهم التفاوض دائما، عدم التوقيع في نهاية المطاف، توظيف المعطيات الميدانية لصالحهم، البروز في وسائل الاعلام، والاعتقاد بأنهم يحظون بدعم سفراء الدول الثماني عشرة، وجود لوبي اعلامي ايراني مساند، يظهرهم كقوة موازية للشرعية، فيما بدأت مظاهر الوفد الشرعي توحي بالعقلانية، والرغبة في تجاوز المحنة اليمنية، وتقديم التنازلات الشكلية، والتمسك بالمرجعيات الدولية، وطول النفس، لإظهار الأهداف الرئيسة للانقلابيين وكشف عمليات خداعهم. كانت استراتيجية الوفد الشرعي تقوم على سباق المسافات الطويلة، وعلى الاعتداد بالشرعية، ومصلحة اليمن واليمنيين، كان يتعمد الانقلابيون ايصال الوفد الشرعي الى نقطة اللاعودة والانسحاب، ويعتبرون ان انسحاب الوفد الرسمي، انتصار لهم، لان وجودهم كان الهدف منه استغلال الاطار الاممي، للاعتراف بهم كقوة موازية وطرف رئيس، فيما كانت الخطة الايرانية توحي لهم بضرورة احداث تغييرات على ارض الواقع لصالح، فتلاعبوا بذاتية الجيش والامن والداخلية والمالية، والاحوال المدنية، لكن الحكومة الشرعية كانت متنبهة لهم، فقد كانت غالبية السجلات في حوزتها، وفي مناطق آمنة، وبالتالي أسقط في أيديهم. سبعون يوما مضت في الكويت دون اتفاق، جعلت الاممالمتحدة ومبعوثها الاممي اسماعيل ولد الشيخ يتولد لديه انطباع بأن وفد الانقلابيين، لم يأت لتقديم حلول، ولم يأت في اطار الالتزام بالقرار الدولي 2216، فيما ظل الوفد الشرعي أكثر وضوحا وهدوءا وصلابة عبر تمسكه بالمرجعيات الثلاث للمشاورات وهي القرار الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، وقد جاءت اجازة الاسبوعين بعد سبعين يوما فترة كافية لتقييم مواقف الاطراف، واقتنعت الاممالمتحدة والدول الثماني عشرة بأن وفد الشرعية كان أكثر التزاما واحتراما للقانون الدولي، وان التحالف العربي قام بتثبيت الوضع العسكري، عبر قرار وقف اطلاق النار، فيما ظهرت علامات التسويف والتدخل الخارجي في قرارات الانقلابيين، وتوجهاتهم، الامر الذي دفع بدول المجتمع الدولي للحث على عودة المفاوضات المشروطة بتوقيت زمني، حيث انتهت لعبة الوقت واستثماره، وبدأت المؤشرات تميل بقوة الى ان فشل المفاوضات وانتهاء المدة، يعني حسما عسكريا، ظهرت علامات الاضطراب بادية على قوى الانقلاب، وبدأت مهاجمة الحدود بحثا عن تفاهمات جانبية، وتغيرت لهجة وخطاب المخلوع علي صالح الى الشقيقة الكبرى لتوقيع اتفاق في اي مكان تختاره الرياض، بعد ان كان بالنسبة له من المستحيلات، كانت اللحظة المستعجلة باعلان المجلس السياسي الاعلى خطوة كارثية وفي المجهول، لم يتحسبوا لعواقبها، وظنوا انها تفرض أمرا واقعا على دول التعامل معه، لكنه جوبه بعاصفة انكار من الاممالمتحدة والولايات المتحدة والدول الثماني عشرة راعية المفاوضات، وكشفت عمق الخلل في منهج الانقلابيين، وأعطت للشرعية مكانة مضافة، ساعدت في ولادة اتفاق اممي جديد كخارطة طريق لحل الازمة اليمنية، لم ترفضه الشرعية ووقعت عليه بينما رفضه الانقلابيون. خلال فترة الاجازة، ظن الانقلابيون أن المرحلة القادمة ستكون حاسمة في المفاوضات، وفي نهاية العد العكسي، وقد كانت خطتهم في رفع حدة خطابهم السياسي التصعيدي ضد المملكة ودول التحالف، وازدراء القانون الدولي، ومواصلة التغيير في ذاتية الدولة اليمنية، وتوزيع الاسلحة، والسيطرة على الجهاز القضائي والمدني، حيث بدأت عليهم لغة الاستعجال، وكأنهم في المعركة الاخيرة والفاصلة، كانت نتيجتها التوافق الشكلي بين الحوثي والمخلوع على انشاء المجلس السياسي، فيما برزت التناقضات الحادة، بعد ان رفض المخلوع تزويد الحوثيين بمزيد من السلاح، بل أقدم على تزويدهم بكتيبة صواريخ تابعة للحرس الجمهوري، تتحرك بأمرته بهدف التصعيد على الحدود مع المملكة، واستهداف القرى والمدن الحدودية، ظنا منهم بأن الاشتباك يؤدي الى تقديم التنازلات، ويخفف الضغط السياسي عليهم. الملفت للانتباه ان كلا طرفي الانقلاب يعيشان في عزلة تامة، وأن الاتفاق ليس من مصلحتهما الشخصية، فالمخلوع يدرك تمام الادراك أنه مطلوب تحت طائلة القرار الدولي، وأن أمواله محاصرة، وظل طيلة فترة المفاوضات يجري اتصالات جانبية هدفها الرئيس إبعاده وأسرته وأمواله عن المطالبة الدولية، فيما ظل الحوثي ينظر اليه بشك دائم، ويعتقد بأنه تاجر سياسي، وأنه يبيع في نهاية المطاف، وأن قوة الحوثي لا تؤهله لفرض أمر واقع في اليمن، ولهذا جل تركيزه التحصين لصعده. حافظت المملكة على قواعد اشتباك صارمة، وانفقت ما لا يقل عن 500 مليون دولار دعما انسانيا للمواطنين اليمنيين دون تمييز، واعادة اطفال تم تجنيدهم من قبل الحوثيين الى اسرهم، وانشأت مركزا اغاثيا متقدما، فيما ظل الانقلابيون، يتاجرون بتنظيم القاعدة وداعش، ظنا منهم باستلهام تجربة بشار الاسد، في دفع المجتمع الدولي لمحاربة الارهاب أولا، الا انهم فشلوا، بسبب تماسك الشرعية وقوة الجيش الوطني اليمني، ودعم وسيطرة قوات التحالف العربي. التطورات الدراماتيكية تؤكد أن الامور ماضية نحو الحسم العسكري بقوة، وان الانقلابيين بدأوا استشعار هذه الخطوة، فبادروا لاستهداف الحدود السعودية، وقد حصلوا على تنبيه سعودي حاد هذه المرة، دفع بهم لتأجيل اعلان تشكيلة المجلس السياسي، والاعتذار للصحافيين، حيث بدأت الخلافات العلنية تظهر للسطح، فكل طرف يحاول تعزيز مكتسباته على حساب الطرف الآخر، والكل ساع الى اقتسام الدولة، حيث كان المجلس السياسي بديلا عن اللجنة الثورية، كما أنه مثل بداية النهاية، وانفجار الخلافات على السطح، بعدما بدأت عملية تضارب واختلاف المصالح بينهما، حيث تتجه الامور نحو الصدام المسلح بين الطرفين، حيث ظل الحوثيون لا يأمنون المخلوع علي صالح، وظلت رؤيتهم حول التعاون معه، أنه تعاون مؤقت أملته الظروف. ظلت مرونة الشرعية وتمسكها بالمرجعيات الاممية، في اطار الدعم الدولي والدعم السعودي والخليجي، النقطة الفاصلة في المفاوضات، حيث كان طول فترة المفاوضات قد تحول الى بيئة لبيان تناقضات الانقلابيين، واسهم في تعزيز التناقضات بينهم وكشفهم للمجتمع الدولي، ولان المفاوضات أصبحت مشروطة وليست كما السابق، باتت القوى الانقلابية تطالع المستقبل المؤلم الذي ستجنيه، بعد اخبار عن استعدادات عسكرية، وحسم عسكري، وجاءت موافقة الشرعية وقبولها بالاتفاق الأممي خطوة في اطار حرص الشرعية على حقن دماء اليمنيين، وإعادة اعمار ما دمرته الميليشيا الانقلابية، وتلبية لرغبة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأصدقاء اليمن في العالم، ورغبة الحكومة اليمنية في وضع حد لمعاناة الشعب اليمني، وايضا ساهم قبول الشرعية بالاتفاق الاممي في خلق تناقضات واضحة في صفوف الانقلابيين ومعاناتهم. لقد اثبت الحوثيون أنهم لا يريدون السلام، ويخططون لمزيد من سفك الدماء، واستغلال حالة الحرب، وأثبتوا عمليا طوال فترة المشاورات، أنهم ليسوا سوى جماعة إرهابية تفكر بمنطق العصابات، إذ رفضوا طوال هذه الفترة مناقشة أي من البنود المدرجة في جدول المحادثات، وتمسكوا بالتعنت، ورفضوا التجاوب مع المرونة التي أبداها وفد الشرعية، ومنحت وفد الشرعية مكانة مرموقة واحتراما كبيرا كتصرف دولة تحترم مسؤولياتها تجاه الشعب اليمني، وعليه فان المؤشرات تفيد بأن الحسم قادم، وأن على الانقلابيين أن يفهموا قواعد السياسة والاشتباك السياسي بأن ليس هناك مفاوضات دائمة، وأن ما خسره الانقلابيون هذه الفترة يوازي حجم مكاسبهم طيلة السنوات والأشهر الماضية.