كل عام وأنتم بخير وتقبل الله صالح أعمالكم.. كلمات نرددها في كل عيد تعبيراً عن حب الخير لإخواننا المسلمين وتوديعاً لشهر رمضان وطمعاً في مغفرة الله سبحانه وتعالى، لكن هل يشاركنا صناع الإرهاب اليوم تلك الأمنيات؟ خمسة عشر عقداً منذ الحادي عشر من سبتمبر وبعض المراهقين والشبان ذهبوا وقوداً للحروب وتجارة السلاح والفتن في مختلف أنحاء العالم، ليجروا المملكة والعرب والمسلمين إلى ويلات وانقسامات لا تنتهي، وقبل ذلك وصم الإسلام بما فعلت أيديهم بسمعة مشينة وكأنهم يحاربون جهود نشر الإسلام بقدر ما يحاربون السلام. السلام وهو اسم الله تعالى، وهي الكلمة التي اشتق منها (الإسلام)، وهو الذي أتاح للإسلام أن ينتشر في العالم بشتى بقاعه حتى أصبح محمد الاسم الثاني في بريطانيا التي حكمت امبراطوريتها نصف العالم، وليقف على مشارف الوصول للمرتبة الأولى في بعض دول أوروبا الغربية في زمن الانفتاح العالمي على شبكة الإنترنت. في هذه الأثناء برزت الجماعات الإرهابية التي تستهدف المدنيين من غير المسلمين ثم بدأت تستحل قتل المسلمين وتركز على الإضرار بالدول الإسلامية بذريعة تكفير المخالفين لتحليل كل ما حرم الإسلام، وتأنف الفطرة السوية من قتل وخيانة وعقوق بالوالدين وسرقة لمقدرات الشعوب وتعاون مع الشيطان. وبينما يصلي المسلم في بيوت الله وفي المسجد الحرام في الشهر الحرام يدعو الله المغفرة وأن يبلغه ليلة القدر ويشمله بعفوه وغفرانه، تستهدفه عمليات التفجير والقتل والانتحار وخيانة العهود والاعتداء على الممتلكات من هؤلاء المتنطعين دون مراعاة لحق الله أو العباد. وللمفارقة، قرأت خبر تفجير المدينةالمنورة في رسالة على هاتفي وأنا أستمع في إحدى الإذاعات لقصة يرويها سائح مسيحي وزوجته ضاعا في قرية تركية لا فندق فيها عام 1993م، وحينما سأل أحد المارة عن مأوى أخذه لمنزل متواضع يعيش فيه سبعة أطفال ومسنين، وحينما أفاق وجد العائلة تفترش فناء المنزل. يقول سألته هل أنت مجنون لتدخلنا منزلك الذي لا يحتوي إلا على غرفة نوم واحدة وتنام خارجه، فرد عليه هذا ما تعلمته من الإسلام، يضيف: فبكت زوجتي وقلت لها لا بد وأن هذا هو الإسلام الحقيقي لا ما كنا نسمع به في بلادنا، هذا الرجل هو محمد الحزمي الادريسي الذي أسس فيما بعد مركزاً إسلامياً في رومانيا وأسلم على يده أكثر من ألف شخص. مفارقات هذه الفئة الضالة عميقة بقدر البون الشاسع بين أدبيات الدين السماوي وتفسيراتهم الضحلة، وبقدر اهتمامهم بالمظهر لتبرير جرائمهم، والحكم على نوايا الآخرين لاستحلال دمائهم، وتوظيف النصوص في دلالات معوجة تجيز التكفير لمن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. هذه الدائرة المفرغة من الأخلاق والقيم والمثقلة بالتنطع والشكليات لا تنتهي إلا بجريمة هنا أو هناك، لتصبح حديث العالم في الشرق والغرب تصد الراغبين في البحث عن حقيقة وجود الله واعتناق الدين الإسلامي، لنخسر في كل عام وقبل كل عيد من أعياد الله مسلماً قتلاً وآخرين صُدوا عن سبيل الله بفعل هؤلاء. بغض النظر عمّن يجند هؤلاء، فإن على كل أسرة مسؤولية لا تقل عن مسؤولية كل بالغ في إيقاف هذا النزيف وتحصين جيل قادم بضرورة النظر في الدعوات المشبوهة التي تُمرر إليه، هل تستقيم مع روح وقيم ومبادئ وأهداف الإسلام؟ هل يستقيم القتل والغدر والعداء والكراهية وتكفير من يشهد أن لا إله إلا الله وترويع المدنين الآمنين من غير المسلمين مع سلوك الرسول عليه الصلاة والسلام، ومع مبادئ وأهداف الإسلام؟ هل يجدونه ملائماً للفطرة في ذواتهم؟ وهل تُقنعهم التبريرات الشيطانية التي تستغل حماسهم؟ هل مهمتهم هي نشر الإسلام أو قتل غير المسلمين بأفعال انتحارية؟ عام جديد وعيدٌ آخر هو يوم من أيام الله التي تذكرنا بنعمه علينا ومسؤولياتنا تجاه المجتمع ومسؤولية من موّل وشجع وساهم في الإرهاب في أن يراجعوا أنفسهم وما فعلوه في أسر توشحت بالحداد في يوم الفرح.